في العهد الماضي كانت البيوت مثل بيوت النحل لها قوانين صارمة يحترمها الجميع وكانت الخصوصية أشدها فى الإلتزام فتجد البيت يسكنه أكثر من عائلة ولكن لا يتدخل أحد فى بيت الثانى ولا يتقدمون بالنصيحة إلا إذا ُطلبت أو وجدوا أن الغريق يحتاج إلى يد لتنقذه فيسارعوا بمنتهى الأدب الجم والهدوء لإحتواء الأزمة وإصلاح الشرخ إن وجد.
فى العهد الماضى كانت فى الأغلب الخصوصية لها باب لا يطرقه أحد بدون استئذان وإذا ُوجد المتطفلون كما حال الدنيا كانت رأس العائلة الأم أو الأب يقفوا لهم بالمرصاد حتى لو كان الحديث صحيحا ولا يروق لهم.
فى العهد الماضى كانت لمة العائلة محل ترحاب شديد واللقاءات الأسرية لها مذاق جميل نتذكره الأن وكأنه طيف بعيد وكانت كل العائلة تدرك فلان الذى يتدخل فيما لا يعنيه فكان قرار غلق فمه هو قرار جماعى فلا يجد بيئة خصبة لينمو أو يترعرع.
الآن تفرقت العائلة على صفحات التواصل الإجتماعى وصار كل إنسان يحكى ما يشاء عن أسرته وبالعكس فى الزمن البعيد كان إخفاء الأمور أصعب ولكنه أسهل مقارنة بحسابات إلكترونية أخد أصحابها القرار بنشركل مشاعرهم وأمور حياتهم بكامل وعيهم وأرادتهم ليتم محاسبتهم فى محكمة علنية لا ترحم أحد والكل فيها مدان.
استوقفتني واقعة مؤلمة خاصة بجريمة قتل زوجة لزوجها ثالث أيام العيد وسارعت الصحافة بإلقاء الاتهام بدون إنتظار كالعادة على مصاريف العيد والغريب أن الجريمة تمت بيد زوجة عشرينية لها طفلان أعمارهم سنوات لا تعد على اليد الواحدة ويسكنون منزل العائلة وكل فرد له شقته المفترض أنها الخاصة له.
وساقنى القدر على غير عادتى لرؤية فيديو تتحدث فيه كلا العائلتين عائلة الزوج القتيل والزوجة القاتلة وبكل أسف هالنى ما سمعته كل أفراد العائلة يعلمون الصغيرة قبل الكبيرة فى حياة الزوجين والأعجب أن زواجهم كان قصة حب تحمل سنوات من الأمل فى الإرتباط وتكوين أسرة سعيدة أو هكذا كانوا يظنون.
كان الجميع يدرك كل التفاصيل الخاصة بحياة الزوجين وأعنى هنا حرفيا كل التفاصيل ولم أدرك هل الزوج أو الزوجة كانوا يفتحون باب الخصوصية بإرادتهم أم عائلات هذا الزمن لم يطرقوه وإقتحموه إقتحاما؟
وجهة نظر العائلة التى يعتقد فيها الأب والأم أنهم طالما ساعدوا فى زواج أبنائهم فلهم حقوق للتدخل والحشرية فى حياة أبنائهم وأنه بدافع الحب والحق الأسرى كالسم فى العسل يبررون ذلك.
نحن هنا لا نناقش _من ضحية من_ فهناك عائلة انتهت وأطفال ضاعت حياتهم ولكن ماحجم مشاركة أفراد الأسرة لكلا الطرفين فى حدوث الجريمة أو إشتعالها على مدار سنوات ؟ وكيف نسارع الأن لنناقش هذه الجريمة خارج زاوية السبق الصحفى والشو الإعلامى بل لننقذ هذا المجتمع ونعود لنُحى الخصوصية ونُفيقها من ثباتها العميق.
صارت قصة جحا وإبنه والحمار واقع نعيشه يوميا ونعانى منه وللأسف نشارك فيه أحيانا وصارت العائلة فى هذا الزمان تجد لها حقوقاً فى بيوتاً غير بيوتها ولم تعد هناك غرف مغلقة بل صارت غرفاً بلا جدران ولا أبواب.
نحتاج أن تعود العائلة لوقارها ومحبتها وإحترامها لإختيارات أفرادها والوقوف معهم وقت الشدائد وليس النظر إليهم بغل وحقد وإنتظار سقوطهم أرضا لنرضى غرورنا برأى نجده صائب قدمناه لهم ولم يستمعوا لنا.
صار طرح الأسئلة الخاصة بشأن من حولنا لا تحمل أى خجل فنسأل عن الزواج ولماذا تأخر الإنجاب وحتى دخل الأسرة أصبح مشاعاً أن يُسال عنه ! ولم يعد يغلق القوس فالاسئلة الخاصة تجذب ما ورائها ليتعمق فى أسرار الأخرين من باب الاطمئنان أو إستباحة حياتهم تماشيا مع العولمة والتقدم التكنولوجى الذى نعيشه داخله وكأن بابه أُغلق علينا ولا فكاك منه.
الآن نتحسر على زمناً مضى ونبكى أيامه ولا ندرك أننا نساهم فى ماوصلنا إليه فنهدم بيوتا كانت كبيوت كالنحل فى الماضى وصارت واهنة كبيت العنكبوت لا تحتمل ضربات الزمن ولا تقلباته فلنغلق علينا أبوابنا ونُحصنها بالكتمان ونسأل الله الستر.
التعليقات