بريق الفيلم والنجم الأمريكي لا يمكن سوى أن يعلن عن نفسه، برغم كل معالم الاحتراز، إلا أن عرض فيلم (يوم العلم) لـ«شون بن» ضمن مسابقة (كان) ممثلا لسينما هوليوود حقق درجة من السخونة الجماهيرية اللافتة على السجادة الحمراء، التى لم تكن قطعا فى عزها بالمقارنة بكل الدورات السابقة، ولكن فتحت الباب لكى نشعر جميعا باشتعال الرغبة لعودة الحياة إلى طبيعتها قبل الجائحة.
وهى بقدر ما تحتاج إلى أن نظل محترزين، فهى أيضا تتطلب منا جميعا قدرا من الشجاعة للتأقلم مع الهدف الأسمى، وهو أن نمارس الحياة بكل أبعادها، السينما تبدو وكأنها المستهدفة رقم واحد من (كورونا)، الفيروس ينتعش فى الزحام فهو المناخ الصحى الذى يمنحه الفرصة للتوغل والانتشار، والسينما لا تصبح سينما إلا مع توفر الزحام، وهكذا أضيرت الحفلات الفنية وضربت فى مقتل وأولها السينما، ولكن بات على الإنسان الآن الخروج بإيقاع محسوب وتدريجى من تلك القوقعة التى صنعها لحماية الحياة، إلا أنها لو استمرت أكثر من ذلك لصارت هى أكبر خطر يهدد الحياة.
المهرجان يحترز كثيرا، لكنه أيضا يترك مساحة لممارسة الحياة وكأنه بروفة نهائية لكى يخرج الناس آمنين من تلك المأساة، التى هددت معالمنا الاقتصادية والاجتماعية بكل ضراوة.
أحداث الفيلم الأمريكى مأخوذة عن رواية تتكئ على علاقة بين أب وابنته، أب يمارس كل ما هو مخالف للقانون من التزوير والنهب والسرقة وابنته تكتشف ذلك، بينما هى تعمل صحفية وواجبها قطعا هو كشف الحقيقة.
الفيلم يعود إلى سبعينيات القرن الماضى بكل التفاصيل التى كانت عليها الحياة، شون بن يقف أمام الكاميرا ممثلا وخلفها مخرجا، مثلما يفعل ذلك بين الحين والآخر بعض النجوم، أسند شون بن لابنته ديلان بن الدور الرئيسى فى الأحداث لتؤدى شخصية ابنته أيضا، وتلك من الحالات الاستثنائية التى نراها عالميا فى عدد من العائلات التى يمتهن فيها الأبناء مهنة الآباء، لا يتم الدفع بالأبناء عنوة لاستكمال الرحلة مثلما يحدث فى مصر.
وبات الأمر أقرب إلى قاعدة تسيطر على جزء كبير من الحياة الفنية فى بلادنا وتؤدى لعرقلة المسيرة، حيث يواصل عدد كبير من أبناء الفنانين مهنة آبائهم بحق أو بدون حق، مستندين إلى أن الاسم يجمع بين الابن وأبيه فصار عند البعض يكفى، ليصبح الأمر سلاحا سلبيا يضرب المصداقية فى مقتل، وهذه قضية أخرى تحتاج إلى مساحة قادمة.
فى فيلم (يوم العلم) حققت العلاقة الطبيعية بين الأب وابنته طاقة إيجابية ورأينا الشاشة أكثر عمقا، التفاعل على الشريط السينمائى وأمام الكاميرا لا يستند إلى الواقع ولا يراهن عليه إلا أنه عندما يتوفر هذا الإحساس الواقعى ويتم التعبير عنه بإبداع يصب لصالح العمل الفنى، وهذا هو ما حدث بالضبط بين الأب المخرج والممثل شون بن وابنته ديلان، برغم أن الفيلم على الشاشة محدودا فى قدرته على إثارة مشاعرنا فى الإحساس بالجمال الفنى، إلا أنه فى العلاقة بين الأب وابنته وصل لذروة التعبير.
لا أتصور فى ظل منافسة 24 فيلما داخل المسابقة الرسمية للمهرجان، حيث تعلن النتائج مساء الجمعة القادم، سوى أننا لن نجد اسم الفيلم ضمن قائمة الجوائز المرشحة للسعفة، حيث إن هناك ما هو قطعا أفضل، ولكن يظل أمامنا عمل فنى يحمل تحديا فى العديد من تفاصيله، ويبقى اسم الفيلم المستند إلى معلومة تاريخية وهى يوم استخدام العلم الأمريكى مع الربع الأخير من القرن الثامن عشر وهو يصادف عيد ميلاد البطل فى الفيلم، ومن هنا حمل الاسم هذا القدر من الغموض (يوم العلم).
كما لا يخلو الأمر من ظلال سياسية فرضتها المرحلة التاريخية التى تناولتها الأحداث، جاء المشهد الأخير والابنة تتابع أباها لحظة مطاردته وقتله كذروة برغم أن المتفرج توقعها من البداية، إلا أنها حملت إبداعا خاصا بين الأب وابنته على الشاشة، وهى تلك المعادلة السينمائية التى تتجسد فيها ومضات المشاعر.
ويبقى سؤال طرحه الفيلم، حيث إنه، وقبل سنوات، تحرص إدارة المهرجان فى (كان) على كتابة الحوار الإنجليزى بالانجليزية على الشاشة، من أجل ضمان استيعاب الجمهور لكل المفردات، وهو ما يدفعنا لكى نفتح مجددا هذا الملف ونتجاوز عن تلك الحساسية، وتكتب أيضا على الشاشة كلمات الحوار العربية، للأفلام العربية، حيث إن هناك قدرا من الصعوبة قد يلاحظها قسط من الجمهور العربى عند مشاهدة عدد منها، لأن اللهجة العامية وأداءها يختلف بين دولة وأخرى، بعض المهرجانات الخليجية بداية من دبى (2004) كانت بين الحين والآخر تحرص على كتابة الحوار العربى بالعربية للأفلام المشاركة، فلماذا لا نفكر فيها بعيدا عن الحساسية؟.
التعليقات