تتولى مؤسسات الحكومة الاتحادية مسؤولية إدارة مليارات الدراهم من الأموال العامة سنوياً، الأمر الذي يحملها مسؤولية وطنية تتمثل في حماية هذه الأموال والتأكد من حسن استخدامها.
ويعتبر الاحتيال من المشاكل الرئيسة التي تؤثر سلباً على أنشطة الجهات الحكومية، ويؤدي إلى تكبدها تكاليف باهظة من حيث الهدر الفعلي للمال(1).
وتعد الجريمة بمختلف صورها وأشكالها التقليدية والمستجدة منها هماً يقلق بال المجتمعات، مواطنين ومؤسسات، كونها تعكر صفو حياة البشر الآمنين وتعيق نمو وتطور المجتمعات البشرية لرفع مستوى الحياة الإنسانية.
إلا أن جرائم الاحتيال من الجرائم التي انفردت عن الجرائم التقليدية بما تمتاز به من قدرة المجرمين العقلية والذهنية في الابتكار والتطوير والتحديث في طرق ووسائل الاحتيال التي يتم ارتكابها وتكييف هذه الأساليب والوسائل بما يتلاءم مع التطورات التقنية والتكنولوجية الحديثة والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ومختلف مجالات الحياة الإنسانية الأخرى(2).
دور الأجهزة الرقابية
وتتمثل الأهمية الرئيسة للأجهزة الرقابية في متابعة صرف الأموال العامة في أماكنها المخصصة وبطريقة اقتصادية، وفقاً للقواعد واللوائح المعمول بها في هذه الجهات.
ولكي تؤدي الأجهزة الرقابية دورها بشكل جيد يجب أن تكون مستقلة عن الهيئات الخاضعة لرقابتها، وأن تتمتع بحماية ضد أي شكل من أشكال التأثير الخارجي.
ومن الأهمية أيضاً أن تقوم الطرق الرقابية التي تستعملها الأجهزة على المعرفة العلمية والفنية، وأن يتمتع المدققون بالمؤهلات المهنية اللازمة وبالنزاهة الأخلاقية، ذلك لأن الوظيفة الرقابية الحكومية الخارجية المستقلة – بالتعاون مع موظفين مهنيين ومنهجيات مهنية – هي وحدها كفيلة بأن تضمن تقريراً عن نتائج الرقابة المالية يتسم بعدم التحيّز وبالوثوقية والموضوعية(3).
الموقع التنظيمي للمدقق الداخلي في المؤسسة
يؤثر الموقع التنظيمي للمدقق الداخلي في المؤسسة على قدرته على تحقيق الاستقلالية والموضوعية في عمله، ويختلف الوضع التنظيمي لإدارة التدقيق الداخلي في بيئة الرقابة من مؤسسة إلى أخرى أو من دولة إلى أخرى، تبعاً للتطور الذي بلغته هذه المؤسسة أو تلك في متابعتها ومسايرتها لأحدث نُظم الرقابة، حيث إنها تخضع إما للإدارة العليا أو لمجلس الإدارة أو للجنة التدقيق المنبثقة عن مجلس الإدارة.
ولا شك أن التطورات التي أدخلت على وظيفة التدقيق الداخلي تستوجب تطوراً موازياً في المواصفات والمتطلبات المعرفية والمهنية(3)، حيث إنه من الضروري أن يتم الأخذ بالأساليب العلمية في تطوير أداء المدققين الداخليين وتعزيز خبراتهم عبر سياسات مناسبة من التدريب أو حتى إفراد شهادات أكاديمية بحيث تتركز الدراسة الأساسية فيها في مجالي الإدارة والمحاسبة(1).
وعلى المدققين الداخليين إبداء أعلى درجات الموضوعية في جمع وتقييم الأدلة وإيصال المعلومات والتقارير حول عملهم، وألا يخضعوا لتأثير مصالحهم وتأثير الأطراف المختلفة عند بناء تقديراتهم وتكوين رأيهم المهني(4).
ويشير الخبراء في هذا الموضوع إلى أن الوضع الطبيعي والأمثل هو أن تكون تبعية المدقق الداخلي إلى أعلى مستوى إداري بالمؤسسة إن لم يكن لمجلس الإدارة أو لجنة التدقيق
وقد استنتجت إحدى الدراسات أنه كلما ارتفعت المكانة التنظيمية لقسم التدقيق الداخلي في الهيكل التنظيمي للوحدة الاقتصادية كلما تفوق العائد من نشاط التدقيق الداخلي على تكلفة أداء هذا النشاط
التدقيق الداخلي وحماية المؤسسة من الاحتيال
يعتبر وقوع جهة حكومية ما ضحية للاحتيال إخفاقاً في منظومة الحوكمة في ظل غياب إطار عمل فعال لمكافحة الاحتيال(5). ولا شك أن للتدقيق الداخلي دوراً مهماً ورئيساً في حماية المؤسسة من عمليات التلاعب والاحتيال، خصوصاً بعد أن أشارت الدراسات إلى أن المدقق الخارجي المستقل لا يستطيع اكتشاف جميع حالات الغش والتلاعب في القوائم المالية نظراً لعدم تواجده بصورة دائمة في المشروع واعتماده على العينات الإحصائية بدلاً من الفحص الكامل، وبالتالي أصبح المدقق الداخلي هو من يستطيع أن يحمي المؤسسة التي يعمل بها من عمليات التلاعب بالأصول وأنه ليس هناك من هو أقدر منه على ذلك(1).
وعرَّف الاتحاد الدولي للمحاسبين IFAC نظام الرقابة الداخلية بأنه: "كافة السياسات والإجراءات – الضوابط الداخلية – التي تتبناها إدارة المؤسسة لمساعدتها قدر الإمكان في الوصول إلى هدف الإدارة وهو إدارة العمل بشكل منظم وكفء والمتضمنة الالتزام بسياسات الإدارة وحماية الأصول ومنع واكتشاف الاحتيال والخطأ ودقة واكتمال السجلات المحاسبية وإعداد معلومات مالية موثوقة في الوقت المناسب"(2).
ويشير التعريف بوضوح إلى ارتباط نظام الرقابة الداخلية بتحقيق أهداف المؤسسة، ويعطي هذا مدلولاً عن أهمية هذا النظام الذي أصبح من الثوابت في جميع أنواع وأشكال التنظيمات، وتقوم هذه المنظمات بتصميم نظام الرقابة الداخلية الخاص بها والذي يلبي احتياجاتها الرقابية(3).
وينشأ خطر الاحتيال كما هو معروف من تقاطع ثلاثة عوامل رئيسية هي(1):
1. وجود ضغوط يتعرض لها شخص معين قد تدفع به إلى ممارسة الاحتيال.
2. وجود فرصة سانحة لحدوث الاحتيال مثل ثغرة في نظام الرقابة الداخلية.
3. وجود قابلية شخصية للتحايل- بمعنى عدم النزاهة- في الشخص الذي توافرت لديه الضغوط الخاصة والفرصة السانحة.
وارتفعت خطورة هذه الجرائم بعد أن سخر المحتالون التقنيات الحديثة في غايات غير مشروعة، فقد أصبح هناك العديد من طرق وأساليب الاحتيال التي تعتمد على التكنولوجيا كأجهزة الحاسوب وشبكاته وشبكة الإنترنت(4).
وتعتبر سرقة الأموال ولا سيما بطاقات الائتمان من أهم جرائم الاحتيال، الأمر الذي يحتم على المدقق الداخلي اليقظة وتلمس حالات الاحتيال السابقة بشكل دائم وعدم إغفال أية إشارات قد توحي بحدوث الغش والاحتيال ورصدها ومتابعتها، ويعتبر هذا أحد الأدوار التقليدية للتدقيق الداخلي(2).
دور المدقق الداخلي في مكافحة الاحتيال
ويمتلك المدقق الداخلي تأثيراً قوياً في مكافحة كافة صور الاحتيال سوا على مستوى الإدارة العليا وحتى أصحاب المصلحة على المستوى الخارجي والداخلي، فوظيفة المدقق الداخلي تتيح له مراقبة برنامج مكافحة الفساد، فضلاً عن امتلاكه صلاحية سد الثغرات، ومن المهم أن يظل المدقق الداخلي مستقلاً عن عملية تنفيذ الجهود الإصلاحية، وإلا فإن قدرته على المراجعة والتقييم السليم قد تتأثر(3).
ويجمع خبراء الاقتصاد وذوو الاختصاص على أن عملية تدقيق الحسابات، تعني مجموعة إجراءات وعملية فحص شامل يقوم بها شخص مؤهل أو مجموعة أشخاص للسجلات أو الحسابات، لإبداء رأي مهني محايد، يستهدف بيان ما إذا كانت المصروفات التي أنفقت والمبالغ التي قد حصلت مقيدة بالدفاتر المحاسبية والسجلات بصورة صحيحة، وإذا ما كانت الأصول قيمت تقييماً صحيحاً، في فترة زمنية محددة(4).
ويتولى أعضاء مجلس الإدارة أو المديرون التنفيذيون المسؤولية الرئيسة عن الالتزام بترتيبات الحوكمة، وبالتالي يتولى المسؤولية عن مكافحة الاحتيال ضمن الجهات الحكومية العاملون لديها، كما يحصلون في كثير من المسائل على مساندة لجنة تدقيق تقوم بالإشراف على عملية وضع وتنفيذ إطار عمل مكافحة الاحتيال، واستلام ومراجعة تقارير سير عمل إطار مكافحة الاحتيال وأية حالات اشتباه بوقوع الاحتيال(5).
الشك المهني
يعتبر الحذر والشك المنطقي أو ما يُقصد به الشك المهني من أهم المهارات التي يجب أن يتمتع بها المدقق الداخلي، والتي تساعده في مهمته، ولا تتعلق الأهمية النسبية للاحتيال بحجم المبلغ وإنما بالآثار النوعية أيضاً، وذلك للأسباب التالية:
1. إن لم يتم منع حدوث الاحتيال، فهناك احتمالية لأن تتفشى أوجه التلاعب بسرعة كبيرة.
2. إن وجود الاحتيال يشير بوضوح إلى ضعف في نظام الرقابة الداخلية.
3. إن الاحتيال يتضمن موضوعات أخرى متكاملة ومغطاة قد يصعب الوصول إليها.
وقد أشارت إحدى الدراسات التي أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية حول دور التدقيق الداخلي في اكتشاف الغش والاحتيال في القوائم المالية إلى أهمية أن يرفع التدقيق الداخلي تقاريره إلى مجلس الإدارة وليس الإدارة العليا للشركة(1)، وذلك يتم بعد القيام بإجراء التحقيقات والتحريات الكافية، فالاحتيال فعل خاطئ يستحق صاحبه العقاب تحقيقاً للعدالة المنشودة، بل إن فقدان عنصر الإيلام من العقاب يجعل معادلة الجريمة والعقاب معادلة ناقصة لانتفاء عنصر بها على حساب العنصر الآخر(2).
وتلعب إدارة التدقيق الداخلي دوراً مهماً وبارزاً للحد من وقوع الاحتيال والكشف عنه، لذلك ينبغي استخدام موارد التدقيق الداخلي المتوافرة لدى الجهة الحكومية للمساعدة في الحد من وقوع الاحتيال والكشف عنه خلال عمليات التدقيق المنفذة كجزء من البرنامج السنوي للتدقيق الداخلي، كما ينبغي على إدارة التدقيق الداخلي مراجعة تنفيذ الخطة الحكومية بشأن مكافحة الاحتيال كجزء من برنامج الأنشطة الخاصة بها.
ويمكن أن تشارك إدارة التدقيق الداخلي أيضاً بفعالية في مكافحة الاحتيال والكشف عنه من خلال عمليات التدقيق التي تهدف لمراجعة واختبار الضوابط الرقابية الداخلية، بما في ذلك الحصول على عينات عن المعاملات والاطلاع عليها
ويقتصر دور إدارة الشؤون القانونية هنا على: تقديم التوجيه لفريق التحقيق المكلف، وتوجيه المشورة للإدارة بشأن المسائل التي قد تؤثر على أنشطة المؤسسة لمكافحة الاحتيال أو على مخاطر الاحتيال، ويدخل في ذلك – على سبيل المثال لا الحصر – بذل العناية الواجبة على الوجه المناسب ومراجعة السجلات لدى التعامل مع أطراف خارجية، وتقديم المشورة بشأن الوضع القانوني حال ملاحقة المتورطين في عمليات الاحتيال من أجل استعادة الأصول المسروقة أو التعويض عن الأضرار المترتبة عن خيانة الثقة
محمد فاضل لاري
التعليقات