يحدث أن يكون المرء موظفاً في مؤسسة تقدّره وتحتاج إليه بشدة، لكنها في الوقت نفسه تضغط عليه وتثير استياءه، والسبب؟ أن مديري المؤسسة يعتقدون أنه بمطالباته المتكررة بالاهتمام بالعملاء، فإنه يتقمص دور المحسن، خالطاً العمل الخيري بالعمل المهني. إنهم يعتقدون أن صاحبنا يعيش في الأوهام، بينما الصحيح أنهم يعيشون في الماضي.
يعتقدون أن المؤسسة لديها من القوة ما يغنيها عن التودد للمتعاملين، وأن قدراتها التسويقية والإعلانية والإعلامية، تتيح لها ليّ ذراع العملاء وإخضاعهم لإرادة المؤسسة. يتوهمون أن بمقدورهم تحديد الأهداف المؤسسية التي تروق لهم، ومن ثم إقناع المتعاملين بأن ينساقوا وراء تلك الأهداف حتى لو كانت تخالف مصالحهم.
لكن الواقع مختلف؛ إذ إننا نعيش في عصر العملاء، ما يعني حكماً، أن هذا الزمن لم يعد زمن المؤسسة. لقد انتهى الزمن الذي كانت السيادة فيه للمؤسسات أيها السادة. وأنتم تعلمون ذلك جيداً. أنتم تعلمون أن القيمة الحقيقية تكمن في تقديم الخدمة الجيدة للمتعاملين، في فهم أهدافهم، والعمل بكل إخلاص من أجل تأمين حاجاتهم وتلبية توقعاتهم.
تدركون أن مستقبل المؤسسة مرهون بمدى تلمّسها أهداف عملائها، والعمل على تحقيق تلك الأهداف كما لو أنها أهداف المؤسسة نفسها.يمكننا القول ببساطة إنه بقدر ما تبتعد أهداف المؤسسة عن أهداف عملائها، فإنها ستخرج عن السكة الصحيحة، وستؤول إلى الانقراض.
إن العمل لمصلحة المتعاملين، لن يخدم المتعاملين وحدهم، فالخير المتأتي من ذلك سيكون للمؤسسة فيه نصيب بالضرورة. ومع ذلك، فقد يتعرض أحدهم للضغوط لتردده في التعاطي مع حملة تسويقية اعتمدتها المؤسسة على أساس من التوقعات المتوهمة. سوف يزدرونه كما لو أنه يتعمد السير بعكس الاتجاه السائد. إن الثقافة السائدة في كثير من المؤسسات، تقضي بأن العمل لإرضاء الإدارة أهم بكثير من العمل لإرضاء المتعاملين/ العملاء.
لكن ذلك كله بات من الماضي. بل يمكن القول إن هذا هو التغير الحقيقي الذي يعتمل في عصر التحولات الرقمية. إنه الانتقال من محورية المؤسسة إلى محورية المتعامل. في المعادلة الجديدة، العميل هو العنصر الأكثر أهمية. والحقيقة أن العملاء قد سبقوا المؤسسات في استيعاب تلك المتغيرات. فالعملاء اليوم هم الأكثر امتلاكاً لأدوات العصر، وهم الأكثر استحواذاً على المعلومات، كما أنهم الأكثر تنظيماً أيضاً مقارنة بالعديد من المؤسسات.
ما فعلته تلك المتغيرات أنها جعلت العملاء أكثر ثقة بأنفسهم وبأقرانهم من ثقتهم بالمؤسسات، وبالأسماء التجارية الكبرى. إن المؤسسات، في الواقع، متخلفة عن عملائها من حيث الثقافة، والتكنولوجيا، والتفكير. وعليها أن تفعل الكثير من أجل اللحاق بهم. وإذا كنت واحداً ممن يفكرون بأهمية الاهتمام بالعملاء، فإن مؤسستك بحاجة ماسّة إلى أشخاص من أمثالك حتى وإن لم تكن مؤسستك تمتلك شجاعة الاعتراف بذلك.
إنك، بانشغالك بكيفية إرضاء عملائك، تصبح الشخص المناسب لخدمة أهداف مؤسستك. فأنت تفكر في متعامليك، تتعاطف معهم، وترصد سلوكهم على الدوام، محاولاً أن تفهمهم على خير وجه وكل ذلك بهدف تسهيل حياتهم. وأنت على وعي تام بأنك بقدر ما تبذل من جهود لتسهيل حياة عملائك، فإن أولئك العملاء سيتعاملون مع مؤسستك بإيجابية، وسيردون لها الجميل.
لكن ثمة مشكلة أخرى، وهي أنك عندما تريد تسهيل حياة عملائك، فإنك بالضرورة ستعمل على تعقيد بعض العمليات الداخلية في مؤسستك. فلكي تخلق البيئة السهلة والبسيطة التي تغني عملاءك عن الحيرة والتفكير الزائد، فإنك بحاجة إلى إجراء تغييرات واسعة وبذل جهود مضنية داخل المؤسسة. الأمر ليس اختيارياً بالنسبة للمؤسسات، ولو كان كذلك، فمن البديهي أنها ستختار الاستسهال وراحة البال. هذا أقرب إلى الطبيعة التي درجت عليها المؤسسات.
من جانب آخر، إن بعض المؤسسات تعمل على اختراع التعقيدات بهدف إرباك عملائها وتحميلهم تكاليف لا داعي لها، وجعلهم يستهلكون أشياء ليسوا بحاجة لها أصلاً.
في الزمن الغابر، كان ميزان العلاقة بين المؤسسة والعملاء مختلاً. لكن الإنترنت منحت العملاء قوى جديدة، وها هم يوظفون تلك القوى لمصلحتهم. لذا، واظب على تركيزك. كن متفائلاً. لأن العميل في هذا الزمن هو صاحب دور البطولة، وهو الذي يقود الركب نحو المستقبل.
http://www.gerrymcgovern.com/new-thinking/ode-customer-champion
التعليقات