كنت حديث الحيّ الشعبي الذي نشأت فيه، فتاة جميلة، بيضاء، ممشوقة القوام، إذا نزلت الشارع تداعبني النظرات وتخترق آذاني الكلمات المعسولة من الشباب والكبار علي حد سواء، ورفضت أكثر من شاب من الحيّ الذي أعيش فيه نظراً لإمكاناتهم المادية المتواضعة،ولأنهم كانوا يقيمون في الحيّ نفسه ويريدون الزواج والبقاء فيه،
أما أنا فكنت أحلم بزوج مقتدر مادياً،يخلعني من الحيّ الشعبي الذي أعيش في شوارعه الضيقة وألفاظه السوقية وشبابه المتنطع علي النواصي ،ومقاهيه المنتشرة في عرض الشارع وباعة الخضر والفاكهة الجائلين،وهواة الروبابيكيا الذين يقلقون النائم منذ الصباح الباكر.
وظللت أنتظر بعد انتهائي من حصولي علي شهادتي الجامعية، وبقائي بلا عمل ،في ظل ظروف يشكو منها الشباب قبل الفتيات ،حتي طرق بابنا شاب من أقربائنا يعيش في إحدي الدول العربية ،ويكبرني بحوالي عشر سنوات ومقتدر ماديا، ومهذب ووسيم ،ولا تكاد تسمع صوته وهو يتكلم،ولا يعيش في مصر إلا شهراً كل عام،يقضيه بين أهله وأصدقائه،وسرعان ما يعود إلي عمله الذي يدر عليه دخلا محترما منذ أكثر من خمس سنوات.
ولأنني من أسرة متوسطة الحال،مكونة من أبوين وثلاثة إخوة ذكور أكبر مني،وفتاة أكبر مني تزوجت من شخص أحبته في الحي الذي نعيش فيه،ولا يمر أسبوع دون مشاكل مع زوجها غير القادر علي توفير متطلبات الحياة اليومية لها ولطفليها اللذين أنجبتهما خلال خمس سنوات من بداية زواجها، ولأن والدي يستطيع بالكاد أن يوفر مصاريف المعيشة لنا، فقد رحّب بالعريس المنتظر الذي جاء يريدني فقط ،وبدون حقيبة ملابسي لأنه مقتدر ماديا، ولديه شقة تمليك بأحد التجمعات السكانية الجديدة الفاخرة،ولديه شقة مؤثثة من كل شيء بالخارج، ويريد خطبتي خلال شهر إجازته السنوية ليسافر ثم ألحق به عروساً بمفردها بعد أن يرسل لي أوراق إقامتي معه في الدولة العربية التي يعمل ويعيش فيها.
وبعد زيارتين أغرقني فيهما بهداياه الثمينة التي كنت أسمع عنها دون أن أراها، من ملابس وبرفانات وساعات، بالإضافة إلي دماثة خلقه وهدوئه ووسامته ،وصوته الذي لا يكاد يسمع، وافقت علي الخطبة علي أن أسافر إليه بعد أن يجهز لي أوراق الإقامة.
يعني خطبة وزواج خلال شهرين من زيارته لنا،ولأنه من أقاربنا فلم يستغرق الأمر وقتاً، فلا هو غريب عنا لنسأل عن أخلاقه وظروفه، ولا هو نازل علينا بالبراشوت لنخاف من إلحاحه في سرعة الخطبة والزواج.
وتمت الخطبة في جو رومانسي بأحد الأندية، وقدم لي شبكة فاخرة لم أكن أحلم بنصفها، ولم يكلف والدي مليما للخطوبة وتكاليفها. وبعد أسبوع من الفسح والهدايا والكلام المعسول في الحب والمستقبل الموعود الذي ينتظرني معه،سافر إلي عمله بالخارج وودعته بدموعي وقبلاتي في المطار.
وعدت إلي المنزل بعد توديعه وأنا لا أصدق نفسي، فهل من المعقول أن أحصل علي العريس الذي ظللت أنتظره فأجده أفضل مما كنت أحلم؟، ومما زاد من فرحتي أنه لم يكلف أسرتي شيئا وقدم إليَّ شبكة فاخرة، وسوف أعيش معه في الخارج في أجمل الدول العربية وأغناها،وإذا عدنا إلي مصر سنعيش في أرقي المدن الجديدة في شقة فاخرة وواسعة وتري الشمس ويدخلها الهواء،بعدما كنت أعيش مع أسرتي في شقة غرفتين وصالة لا تري إلا نور الكهرباء ولا يدخلها إلا هواء المروحة اليتيمة التي تدور في الصالة.
وبعد أقل من شهر من سفره،أرسل إليَّ كل الأوراق المطلوبة التي حملتها مع جواز سفري، وذهبت إلي سفارة الدولة التي يعمل بها،وفي أقل من نصف ساعة حصلت علي تأشيرة السفر.
يا لها من فرحة أن أودع حياتي السابقة بكل ما فيها من فقر وحاجة وحي شعبي كئيب، إلي حياة أوسع رحابة ومالاً وبهجة.
واتصلت به لأخبره بحصولي علي التأشيرة ليفاجئني بأنه أرسل إليَّ شيكا بثمن فستان زفاف فاخر، وثمن التذكرة وثمن عدة فساتين اشتريها قبل سفري إليه، وبالفعل فعلت ما طلب مني، وخلال أسبوع كنت في مطار القاهرة عروسا جميلة يحسدها كل من يراها. وبعد ساعتين ونصف الساعة كنت في مطار الدولة التي يعمل بها لأجده في استقبالي بزفة كبيرة وأسطول من سيارات أصدقائه الذين اصطحبونا من المطار إلي شقتنا في برج يكاد يطول السماء في قلب عاصمة الدولة التي يعمل بها.
ودخلنا إلي شقتنا فوجدتها أجمل مما حلمت بكثير، ورود وشموع وروائح ذكية في كل ركن فيها،ومطبخ يكاد يكون في مساحة شقتنا التي تربيت فيها،وأجهزة تكييف وتليفزيون بعرض الحائط ،وستائر كالحرير ،وأرض من الرخام أكاد أري فيها وجهي، وحمام لا أريد الخروج منه نظراً لفخامته ونظافته ،وغرفة نوم ولا في الأحلام.
بدلت فستان زفافي بقميص نوم حريري ،وناداني عريسي لأذهب إليه في الصالة، لنشاهد أحد الأفلام بالتليفزيون،ومرت ساعة وساعتان، وبدأ يتثاءب بعدما أكلنا كثيرا من الفاكهة،وقال "يللا ننام".
وذهبنا إلي غرفة النوم فقبلني في جبهتي وقال تصبحي علي خير. وبعد دقائق وجدته يغط في نوم عميق.
ومر يوم واثنان وأسبوع واثنان. ونحن محلك سر ،لا تتعدي علاقتنا أن نجلس متجاورين أمام التليفزيون أو نأكل معا، أو قبلة علي الجبين،وتصبحي علي خير.
وبصراحة كان يغدق عليَّ من الهدايا الكثير، ويترك لي مالا كل يوم، ويتصل بي كل ساعة ليطمئن علي أحوالي، ولكن هل هذا هو الزواج الذي جئت من أجله، وفرحت به وتركت أهلي وبلدي لأعيشه، وقررت أن أفاتحه في الأمر بعد عودته من العمل.
وبعد تناول الغداء قلت له: لماذا لم تقترب مني؟ هل أنا غير جميلة؟ هل تعاني من مشكلة ما؟فأطرق برأسه ولم يرد،وألححت بدموعي أن يقول لي الحقيقة وياليته ما قالها، فقد صعقني حين قال: أنا لست رجلاً كاملاً. وليس عندي ما عند الرجال. فأنا بالكاد أستطيع قضاء حاجتي، لأن أعضائي غير مكتملة أو قولي غير موجودة.
ونزل كلامه علي مسامعي كالقنابل،وسألته ولماذا لم تخبرني،ولماذا تزوجتني؟. فقال: حتي لا أظل بلا زواج بعد إلحاح أبي وأمي. فقلت وأين حقوقي المشروعة؟ فلم يرد عليَّ بحرف واحد، فطلبت إليه أن يذهب إلي طبيب ليحدد له العلاج أو العملية الجراحية التي تصلح حاله.
وبالفعل ذهبنا إلي طبيب متخصص وكبير، فأصابنا كلامه في مقتل ،حيث إن زوجي يعاني من ضمور شديد بالعضو الذكري، وضمور بالخصيتين لدرجة أنهما معلقتان داخل الجسم، وأن ذلك لا يصلح معه علاج، كما أنه لا يمتلك رحما ليستطيع أن يتحول من الصفة الذكورية للأنثوية، وشعرت بالأرض تميد من تحت قدمي وبردت أطرافي وفقدت الوعي.
ولا أدري كم من الوقت مرّ عليَّ، وأنا في هذه الحال، حتي وجدت نفسي في غرفة نومي وزوجي يبكي وهو جالس بجواري.
وعندما استفقت واستجمعت قواي. قلت له: أريد العودة إلي مصر،قال: حاضر.
وجهزت حقيبتي وبعد يومين كنت في الحي الشعبي الذي كرهته ،ولم أستطع أن أجيب عن أسئلة أبي وأمي وإخوتي،فقط قلت زهقت من الغربة،فقلت آجي أزوركم.
ومر شهر وشهران،ولم أعد إلي زوجي ،حتي جلست أختي الكبري معي، وأنا مملوءة بالحزن والألم، فارتميت في أحضانها وبكيت وأنا أحكي لها الحقيقة،فصرخت حتي جاءت أمي بعد سماع صراخها،وعلمت بما حدث، فلطمت خديها، وسيطر علينا الوجوم والصمت الرهيب.
ولا يزال والدي لا يعرف ما حدث ولا أزال زوجة عذراء. ولا أزال في حيرة من أمري، ولا أدري ماذا أفعل في المصيبة التي حلّت بي، لا أنا زوجة،ولا أنا فتاة بلا زواج،ولا أنا مطلقة، وهل لو حصلت علي الطلاق سأجد من يتزوجني ،وأنا لم أستمره في زواجي المزعوم إلا شهورا معدودات؟!.
المعذبة الحائرة: هـ. ا. م - القاهرة
** قليل من الحيّطة والحذر كان سيجنبك كل المشاكل التي غرقت فيها وأولها: لماذا لم تقوما أنت وهو بالكشف الطبي عليكما قبل عقد القران لمعرفة هل تصلحان للزواج والإنجاب أم لا؟
ولكن طمعك في المال والعريس القادم علي حصان أبيض محملاً بالذهب والياقوت والفساتين والهدايا أعماكِ عن خبايا المستقبل التي أدختلك في نفق مظلم.
والحل من وجهة نظري أن تطلبي الطلاق بهدوء لأنه كذب عليكِ،فإن لم تحصلي علي الطلاق حسب الشرع، فمن حقك أن ترفعي الأمر إلي المحكمة مرفقا به تقرير طبي يوضح حالة زوجك المستعصية التي جعلت منه حالة شاذة، لا هو رجل مكتمل الرجولة،ولا هو جسد رجل قابل للتحول إلي أنثي عضويا،وأعتقد جازماً أن القاضي سيحكم لك بالطلاق من أول جلسة مع الاحتفاظ بكامل حقوقك.
وكلمة أخيرة لكل عروس مقبلة علي الزواج،لا يغرنك المال ولا دماثة الخْلق والصوت الخفيض والوسامة،فكل ذلك قد يحمل في طياته مصيبة لا علاج لها،وكما قلت: قليل من الحيطة والحذر قد يمنع وقوع الكارثة،
وإن كان علي الزواج بعد الطلاق فسوف تجدين خيراً منه، وفي نفس الحي الذي تكرهينه أو في حي آخر، ولكن اعلمي أن المثل الشعبي يقول: "الطمع يقل ما جمع". ارضي بالقليل تفوزي بالراحة، أما هذا الشاب الذي أراد أن يستكمل رجولته المزيفة بالزواج والإنفاق الكثير، فأقول له: هل ترضي أن يحدث لأختك ما فعلته بزيجتك الوهمية؟
إن كنت ترضي فأنت كاذب،وإن كنت لا ترضي. فكيف ترضي لبنات الناس ما لا ترتضيه لأختك؟.
وليس من المعقول أن ترتكب حماقات كبيرة لتبدو أمام الناس أنك كامل الأوصاف، وإذا كان اللَّه سبحانه وتعالي قد سترك،فقد فضحت نفسك عند أهلك وأهل زوجتك.
وإذا كان مثل هذا الشاب مغلوبا علي أمره، فأين كان والداه، وهو طفل يشب ويكبر أمام أعينهما دون أن يدركا ما به من عيب عضوي؟. ثم كيف لشاب متعلم أن يدرك ما به ،ولا يتحدث مع أحد من أهله في مرحلة بلوغه لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
ولذلك فإن ما حدث ويحدث ويتكرر في بيوت كثيرة يقع علي عاتق الأبوين قبل الأبناء، وقلة الثقافة وعدم الوعي وراء الكثير مما يقع فيه الأبناء من مشكلات بلا حلول،وللَّه الأمر من قبل ومن بعد.
التعليقات