ماذا يفعل الإنسان عندما يحاول الهروب من كلب فيصطاده أسد، وبماذا نفسر ظلم الآخرين ونحن لم نفعل لهم شيئا سيئاً؟ ولماذا يملك البعض قسوة يتباهون بها ويسيطرون علي خلق الله ليذيقوهم العذاب ألواناً؟
وماذا تفعل سيدة جميلة ولم تكمل الثلاثين من عمرها عندما تجد نفسها في الشارع،وفي الشارع يتحول الرجال إلى ذئاب؟!
فأنا واحدة من بين خمس بنات شقيقات ،رحل أبونا ونحن في سن صغيرة فتحولت رعاية أمنا لنا وتربيتها إلي قسوة مريرة وأوامر صارمة، لأننا بنات وهي تخاف علينا من "الهوا الطاير"، ولا أتذكر مرة أنها أخذتني في حضنها، أو طبطبت علي كتفي، وكنت أحلم باليوم الذي أخرج فيه من سجن أمي لأنعم بالهدوء والراحة في بيت زوجي.
وعندما التحقت بالجامعة تقدم لخطبتي شاب متدين من أقاربي،وتمت الخطبة بسرعة بحجة أنني جميلة، وأن الجميع يريد تحصيني خوفاً من حياة الجامعة وإغراءات الحياة.
ولأن أبي ترك لنا مالاً،فلم نتفق معه علي شيء مادي،ولماذا نتفق وهو قريبنا ومتدين وشيخ بذقن؟
وبعد أقل من عام تزوجنا في شقة تمليك، اشتراها في القاهرة ولم يدفع لي مهراً،وتولت أمي تجهيز كل شيء في الشقة من مالنا الذي تركه والدي.
وخلال سبع سنوات استطعت الحصول علي مؤهل جامعي، وأنجبت ولداً وبنتاً، وخلال تلك السنوات شعرت أنني خرجت من سجن أمي إلي زنزانة زوجي، فقد كان يمنعني من الخروج، وكنت أفرح بذلك معتقدة أنه يغار عليّ، ومنعني من العمل، وفرحت معتقدة أنه يريد راحتي.
وفي بيتنا كنت أتزين له، فكان يتهمني بالفجور وقلة الأدب، وفي المقابل كان يجعلني أغطي كل جزء في جسدي، ونحن خارج المنزل، بينما كان يتغزل في كل فتاة أو سيدة في الشارع لدرجة أنه كان يصف مفاتن النساء أمامي بلا خجل، وكان حيائي يمنعني من التعقيب عليه، فقد كان في الشارع مثل المراهقين قليلي الأدب ،بالرغم من أن شعر ذقنه كان يتدلي علي صدره!!
وعندما ناقشته في ذلك داخل منزلنا كان رده عليّ علقة ساخنة،خرجت منها بذراع مكسورة ونزيف من أنفي وكدمات لا حصر لها،وبالرغم من ذلك كنت أدعو الله أن يكون زوجي رحيماً بي لأنه ملاذي الوحيد.
وكلما كنت أزداد طاعة له وتنفيذاً لأوامره، كان يزداد إهانة لي وضرباً،وعندما كنت أسأله لماذا تفعل ذلك بي دون ذنب؟ كان يرد: أنا حر، والزوجة خادمة لزوجها يعاملها كيف يشاء، وعندما أقول له إن الله لم يقل ذلك ،فكان يرد قائلا:( إنت هتعلميني ديني)، ويضربني ضرباً متواصلاً، ولأنني بلا أب أو أخ لم أجد أحداً لأشكو زوجي إليه.
وتحملت كل سلبياته وإهاناته وضربه لي من أجل أبنائي،حتي ضربني مرة بقسوة في ليلة شتوية،وطردني وحدي خارج المنزل، وأغلق الباب في وجهي، وطال انتظاري وبكائي أمام الباب ولم يفتح، فذهبت إلي قسم الشرطة لأحتمي فيه حتي الصباح،ولكن المسئول قال لي :(إحنا هنعمل إيه لجوزك، واحد بيتخانق مع مراته، إحنا مالنا؟!)
وطلب مني الخروج من قسم الشرطة،فعدت إلي باب الشقة، ولكنه لم يفتح، وظللت واقفة أرتجف في برد الشتاء حتي الصباح، وعندما خرج إلي عمله، دخلت إلي أولادي، ولم يحضر بعد انتهاء عمله،ولكنه عاد منتصف الليل،ولم يتحدث معي في شيء، ولكنه وضع التليفزيون في الدولاب، وأغلق عليه بالقفل بحجة أن مشاهدة التليفزيون حرام،وظل الأمر هكذا أسبوعا، حتي طرق الباب طارق غير مرغوب فيه وقال: انت فلانة؟، قلت نعم قال اتفضلي امضي علي ورقة طلاقك غيابياً!!
ودارت بي الدنيا أين أذهب بأبنائي ومن أين أطعمهم وأسقيهم،هل أذهب لأهلي الذين لم يأخذوا مهراً لي، وتركوني لقمة سائغة لزوج لايرحم، أم أعيش في شقتي ونأكل من تراب الحوائط، أم أخرج إلي الشارع وفي الشارع كل شيء مباح طالما هناك فريسة وللكلاب أنياب !!
وظللت في شقتي أحتضن أبنائي وأبكي، حتى عاد من عمله، وصرخ في وجهي :(إنت لسة قاعدة في بيتي يابنت الكلب؟) فقلت :وماذا أفعل وأين أذهب؟ فضربني وهددني بالقتل إذا لم أوقع علي تنازل عن جميع حقوقي وكذلك التنازل عن أبنائي،ولخوفي منه وافقت وطلبت منه أن يمهلني حتي الصباح ،لأجد مكاناً أذهب إليه!
وقضيت ليلتي الأخيرة أحتضن أبنائي الذين لم يبلغوا من العمر إلا السادسة والرابعة،وكنت مرعوبة من الخوف، وفي الصباح ذهبت إلي الصائغ، وبعت كل ما أملك من ذهب ادخرته طوال حياتي، واستأجرت شقة صغيرة إيجاراً جديداً، ونقلت إليها بعض الأثاث الفقير الذي سمح لي بأخذه،وبدأت معاناة من نوع جديد.
ليل طويل، وحوائط ترد عليك صوت أنفاسك، وراديو ترانزستور صغير، وصوت عبدالوهاب يؤنس وحدتي( قل لي عمل لك إيه قلبي؟)ويعقبه عبدالحليم:( موعود معايا بالعذاب ياقلبي) وأظل أسمع الراديو، وصوت الرياح، وحفيف الشجر، حتي يغلبني النعاس، وتوقظني شمس خرساء، فأقبل صور أولادي وأحمل حقيبتي،وبها قسيمة طلاقي وذكرياتي في سجن الأم ،وزنزانة الزوج مدعي التدين وأخرج إلي الشارع.
ومن شارع إلي شارع، ومن نهار إلى ليل، ومن يوم إلي أسبوع، ليس لدي رغبة في الأكل أو الشرب، ولا أستطيع التفكير في شيء غير أبنائي، وبدأت أشعر بالنار تنهشني، ولا أعلم شيئا عن أبنائي ،وتنهش مطاردات ذئاب الشوارع عظامي قبل لحمي، فتحاملت علي نفسي ،وذهبت إليه لأري أبنائي، رأيتهم أيتاماً ذابلين ،فأخذتهم في حضني ساعة أو يزيد،ثم نزعهم مني،أخذ روحي وتركني حطاماً، وطردني مهدداً إياي بالقتل لو عدت إلي نفس المكان لأنه سيتزوج قريباً.
عدت إلي شقتي، ولم أنم ليلتي، فأولادي يذبلون، ونقودي تتبخر، ومطاردات الشوارع لا تتوقف، سواء صاحب العقار الذي أسكنه، أو المحامي الذي ذهبت لأستشيره في مشكلتي، فالكل يعرضون خدماتهم مجانا في البداية،ثم يكشرون عن أنيابهم لنهش الفريسة،وعندما واجهت الجميع برفضي،عرض كل واحد منهم عليّ الزواج إما رسمياً ولكن في السر أو عرفياً.
وصدقني لم أعد قادرة علي الحياة،فلا أنا قادرة علي رؤية أولادي أو تربيتهم بلا مورد دخل،ولا قادرة علي العودة إلي سجن أمي،ولا أريد الزواج ثانية بعدما ذقت كل صنوف العذاب علي يد قريبي الشيخ المتدين الذي تتدلي ذقنه علي صدره،ولا أدري ماذا أفعل؟ ولماذا يحدث لي كل ذلك؟
المعذبة:
م.ن القاهرة
--------------------
وماذا فعل نبي الله أيوب عليه السلام ليظل مريضاً لسنوات؟
وماذا فعل نبي الله يحيي عليه السلام ليقتله اليهود؟
وماذا فعل نبي الله عيسي عليه السلام ليتآمر عليه اليهود؟
وماذا فعل نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام ليقذفه الأطفال بالحجارة حتي تدمي قدماه وهو يدعو إلي الإسلام في الطائف؟
ومع الفارق في التشبيه إلا أن ما حدث لك كان نتيجة طبيعية لمقدمات غير طبيعية، فأنت تربيت في أسرة تحكمها القسوة والغلظة اعتقاداً من أمك أو غيرها أن المثل يقول "إكسر للبنت ضلعاً يطلع لها أربعة وعشرون" وهذا غير حقيقي فالقسوة الزائدة مثل الحنان الزائد،كلاهما يضر بالتربية، سواء كان الطفل ولداً أو بنتاً.
فخير الأمور الوسط،لأن هذه القسوة من أهلك جعلت منك شخصية انهزامية، توافق وترضخ لكل ما يملي عليها من شروط أملا في الهروب من سجن الأم،فمثلا كان يمكنك رفض الزواج بهذه الطريقة المهينة بدون مهر أو أثاث، ولكنك حباً في الهروب من أمك،فرحت بالزواج،وتوقعت خيراً من قريب يتدلي شعر ذقنه علي صدره.
ولأنك منذ البداية رضيت بالشروط المجحفة للزواج ،تمادي زوجك مدعي التدين في غيه وإهانتك وضربك ولم يجد منك مقاومة ،لأنه يدرك أنك أضعف من أن تواجهيه ولو بالكلام ،وعندما كنت تواجهينه بالكلام كان رده علقة ساخنة وكسر ذراع ونزيفا وكدمات.
كانت كل معطياته تؤكد لك أنه ليس متديناً ولا يعرف شرع الله لأن الدين ـ أي دين لا يطلب مني أن أغطي جسد زوجتي، لأحفظها وكذلك أحفظ الأخريات في الشارع ،لا أن التهمهن بنظراتي ومعاكساتي الوقحة،فهذا التدين الوهمي والذقن التي لا تصلح إلا لمسح التراب. زيف متواصل وضحك علي الذقون. وبينما يضع التليفزيون في الدولاب ،ويغلق عليه ينزل إلي الشارع ليتغزل في مفاتن النساء، فأي تدين هذا،وأي نفاق ومسخرة يفعلها؟ وأي رجولة يدعيها،وهو يطردك في منتصف ليلة شتوية،وأنت زوجته وقريبته وأم أبنائه؟
ياسيدتي ليس التدين ذقناً وعمامة،ولكن التدين قلب واستقامة،التدين أخلاق تؤيدها أفعال،والرجل بمواقفه وليس بماله وسطوته وجبروته.
ولا أدري كيف يحرم عليك الخروج إلي الشارع ومشاهدة التليفزيون وهو رجل دنيء الخلق؟!
وكيف يغطي جسد زوجته وينهش أجساد الأخريات، إنه شبه رجل مفلوت الخلق والتدين، ولا يعرف شرعاً ولا ديناً، وهو بفعلته لم يقتلك مرة واحدة ،بل قتلك مرتين،مرة برميك في الشارع ،ومرة بحرمانك من حقوقك وأطفالك لأنه خسيس، وكل مايفعله باطل.
ياسيدتي إن الأطفال في هذه السن إن ظلوا مع الأب ضاعوا، وإن ظلوا مع الأم جاعوا، وهي بلا عائل ولا مورد رزق، وبالتالي فمن حقك رفع الأمر للقضاء ليحكم لك بنفقة المتعة والعدة ونفقة المعيشة وحضانة الأبناء لأن الطلاق الغيابي لا يلغي حقوق المطلقة، ويجب عليك أن تخبري القاضي أن موافقتك علي التنازل عن حقوقك كان تحت التهديد بالقتل وسوف يشهد معك أبناؤك لأن الصغار لا يكذبون، وإن كنت غير قادرة علي توكيل محام ليتولي قضيتك فيمكنني توفيرمحام، وسنتكفل بأتعابه، أما الشوارع فلن تحل المشكلة لأن كل ما في الشارع لا صاحب له، والشارع مملوء بالبالوعات وأسلاك الكهرباء المكشوفة والكلاب الضالة، فإن لم تسقطي في بالوعة بنات الليل ،فسوف تجذبك قوة كهرباء العري والسهر،أو تنهشك الكلاب الضالة ،فالأفضل لك ليس الشارع،بل المحكمة.
ثم بعد أن ينصفك القاضي فمن حقك أن تفكري في الزواج،لكن لا تفعلي شيئا تندمين عليه فيما بعد، وعليك أن تقدري لقدمك قبل الخطو موضعاً، حتى لا تقعي في حفرة جديدة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
التعليقات