حينما تتجول وسط "القاهرة" العاصمة المصرية أو قاهرة المعز كما يفضل البعض أن يطلق عليها تشعر بعبق خاص يعيدك بالرغم منك إلى عشرات بل إلى مئات السنين وذلك حينما تتأمل المبانى العتيقة والحارات وأبواب الحارات مثل باب زويلة وباب الفتوح وباب الخلق.
تاريخ تجسده تلك التفاصيل الدقيقة وعشرات من الأحداث المهمة مرت على البلاد تشهد عليها تلك التفاصيل من مماليك وعثمانيين وفرنسيين وإنجليز.
فى شارع حليم باشا وهو جزء من ميدان حليم باشا سابقًا تجد نفسك أمام المطعم الشهير الذى كان يرتاده الملك فاروق وحاشيته وكبار رجال الدولة المصرية في النصف الأول من القرن الماضى وهذا المطعم بالذات له قصة إنه مطعم "على حسن الحاتي" وهو كما ذكر في الكتب والدوريات والصحف المحلية الصادرة حينها أنه أول مطعم في بر مصر يقدم المشويات والأطعمة التى لم تكن تكن تطهى إلا في البيوت.
والبداية كانت في عام 1926 حينما افتتح رجل يدعى "على حسن الحاتي" مطعمه في وسط القاهرة فقد أقام مبناه خصيصًا كمطعم وليس محلًا في بناية وسيجد الزائر أن هناك لمسات فنية في كل مكان حيث أعمدة كبيرة من الجبس محفور عليها أشكال فنية والثريات النحاسية المدلاة من سقف المطعم المرتفع وكثير من المرايا الضخمة المزخرفة بنقوش رائعة أما "الشواية" الكبيرة وآلات المطبخ فهى على وضعها رغم عشرات السنين.
وقد شرف هذا المطعم بزيارات الملك فاروق المتعددة وكبار رجال الدولة حتى إن صاحبه التقط صورة عظيمة للملك ورجاله وزين بها واجهة المطعم الذى كان ينتهج نظامًا دقيقًا في مختلف التفاصيل الخاصة بالطهى والشواء وتقديم الأطعمة وأماكن الجلوس وترابيزات السفرة التى تماثل حجرات تناول الطعام في المنازل وقد خصص باب جانبى لدخول العائلات وصعودها إلى الطابق الثانى ثم إلى البرجولة التى تتميز بالهواء العليل في أيام الصيف.
لقد اشتهر الطعام المشوى على النيران بأنه صناعة مطعم على حسن الحاتى ومع مرور الزمن ارتبط كل ما هو مشوى بكلمة الحاتى حتى تحولت مهنة تقديم الأطعمة المشوية إلى مهنة خاصة يطلق على صاحبها اسم "الحاتى" وانتشرت كلمة حاتى لتزين كافة المطاعم التى تقدم المأكولات المشوية على الفحم وتتنوع تلك المطاعم في المستوى حتى تصل إلى خمس نجوم.
أما المطعم الأصلى مطعم على حسن الحاتى صاحب الاسم الأصلى وأول من أطلق اسمه على هذا اللون من الأطعمة في مصر المحروسة وغيرها من الدول ما هو مصيره الأن؟ لقد تغيرت الأحوال وتبدلت الأمور عبر السنوات حتى وصل به الحال في عام 2007 إلى أن تحول إلى مجرد مقهى يستقبل العمال والباعة بعد أن كان يستقبل الملوك والصفوة وذلك حينما فشل ورثة "الحاتي" في إدارته فباعوه للحاج سيد السوهاجي، ولم يستطع هو الآخر الإفلات من قبضة الاستبداد الاقتصادي والضائقات المالية حيث تدهورت الأوضاع إلى أن أُغلق تمامًا مع ثورة يناير 2011 وعُلِقت عليه لافتة "مغلق للتحسينات" وهى اللافتة المغايرة تمامًا لما تحمله بعض الكتب السياحية التى يسترشد بها السائح الأجنبى الذى يزور مصر فيقف أمام المطعم متذكرًا وصفه القديم والزيارات الملكية لهذا المكان.
يقول الكاتب أحمد أمين في كتابه "قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية" إن الحاتي هو لقب لعائلة مصرية، اشتهرت منهم جماعة عُرفوا بصناعة اللحم المشوي على الفحم، فانتقلت الكلمة من اسم للعائلة إلى اسم للصناعة بشكل عام، وهو ما يفسر وجود أكثر من مطعم في مصر يُطلق عليه اسم "الحاتي" بل وامتدت التسمية لتشمل محلات أخرى في بعض الدول العربية.
التعليقات