تعتبر الأعمال التجارية والعمليات المصرفية ميداناً واسعاً ودائرة مكشوفة للجرائم السيبرانية، لما تتميز به الأعمال التجارية المعاصرة من إفراط في استخدامها للتقنيات السيبرانية والعمليات المصرفية السريعة. فما هي الأعمال التجارية وكيف يستفيد منها مرتكبو الجرائم السيبرانية؟
يخلط البعض بين الأعمال السييبرانية Electronic Business والتجارة السيبرانية Electronic Commerce ، التي تعتبر عنصراً واحداً من عناصر الأعمال السيبرانية، فالأعمال السيبرانية بمفهومها الواسع هي جميع العمليات المالية والإدارية والفنية التي تعتمد على نظم المعلومات الآلية.
E-Business is defined broadly as any business that relies on an automated information system.
وتشمل الأعمال السيبرانية بهذا المفهوم:
• النظم الداخلية للأعمال Internal Business Systems بما في ذلك علاقات العملاء وخطط العمل وبيانات الموظفين.
• شركات الاتصالات المتعاونة Enterprise Communication Collaboration بما في ذلك علاقات العملاء وخطط العمل وبيانات الموظفين ويضم البريد السيبراني ، البريد الصوتي ، الدردشة ، ونظم المؤتمرات.
• التجارة السيبرانية E-Commerce وتضم التحويلات المالية السيبرانية ، التسويق السيبراني ، الشراء عبر الإنترنت ، والشراء عن طريـق الهاتف المتحرك الذي يُعـرف بـ M-Commerce الذي بدأ يتنامى بشكل كبير فاتحاً ثغرات قانونية جديدة وفي هذا النطاق الواسع من العمليات السيبرانية التي يتم من خلالها تداول الأموال والممتلكات على المستويين المحلي والدولي ، يجد مرتكبو الجرائم السيبرانية فرصاً كافية لممارسة أنشطتهم الإجرامية الافتراضية دون رقابة أمنية أو خوف.
تتنوع أنماط الجرائم السيبرانية التي تُرتكب في إطار الأعمال السيبرانية ، القرصنة المعلوماتية ، التزوير ، التلاعب بالبطاقات الائتمانية ، الغش في أجهزة الصرف السيبراني ، تحويل الأموال عبر الحدود الدولية ، المقامرة على شبكات الإنترنت ، التداول غير المشروع للأسهم وسندات الشركات والمؤسسات المالية متعددة الجنسيات ، والتجارة في سلع وهمية أو سلع محظورة. وتتداخل الجرائم السيبرانية المتصلة بالأعمال السيبرانية مع عمليات غسل الأموال بتسريب الأعمال القذرة إلى قلب الأعمال السيبرانية المشروعة ومن ثم إعادة تهريبها إلى ميادين تجارية أخرى يصعب التحكم عليها.
تواجه مكافحة ظاهرة الجرائم السيبرانية صعوبات عدة ، ومن أهمها وأكثرها خطورة غياب الإحصاءات الدقيقة عن عدد الجرائم المرتكبة وأنماطها المختلفة وحجم الخسائر المالية الناجمة عنها ، خاصة وهي لا تكتشف فور ارتكابها ، وحتى الجزء القليل الذي يتم اكتشافه لا تصل بياناته إلى علم السلطات الرسمية. وبذلك تظل المعالم الاقتصادية لكثير من الدول والمؤسسات المالية والشركات غير واضحة ، مما يضع العديد من مؤسسات الاقتصاد العالمي موضع الشبهة وعدم الاستقرار. ويُعزى غياب الإحصاءات الدقيقة لحجم الجرائم السيبرانية إلى عوامل عديدة أهمها:
• الحماية والسرية التي تتمتع بها المعاملات البنكية محور الجرائم السيبرانية.
• سرعة حركة الأموال الافتراضية ومَحافظ الدفع السيبرانية.
• عدم وجود آليات فاعلة للتدقيق على حركة الأموال السيبرانية.
• تعدد صور الاحتيال وبرامجها المتطورة أبداً .
• عدم وجود رموز آمنة تستخدم عبر الإنترنت.
فرضت التقنيات العالية للمعلومات والاتصالات نفسها على كثير من المعاملات التي يقوم بها الإنسان او تمس حياته اليومية، إبتداء من أجهزة الإتصالات الفضائية ومرورا بالمعدات الطبية الدقيقة، التصوير المقطعي، الرنين المغنطيسي وإنتهاءً بالبريد السيبراني ، التجارة السيبرانية ووسائل التحكم على الصناعات واسلحة الدمار الشامل باتت اليوم رهينة التقنيات العالية للمعلومات والإتصالات.
لاشك ان هذا التوسع المتسارع في إستخدم التقنيات العالية للمعلومات والاتصالات على المستويات الوطنية ومن خلال البنيات التحتية الكونية للمعلومات Global information infrastructures ساعد على تزايد فرص الجرائم المرتكبة بوسائط التقنيات العالية والجرائم السيبرانية وجرائم السيبرانية الفضائية ، التي تطلب وسائل مستحدثة للتحقيق الرقمي.
ويعزى تزايد مخاطر هذا النوع من الجرائم لأسباب عدة ومن أهمها ما يلي:
1. اتساع نطاق المعاملات الرقمية في بيئة الأعمال التجارية والمعاملات اليومية في القطاعين العام والخاص.
2. الثقة والاعتماد المفرط على تقنيات الحاسب الآلي في أعمال تتصل بصحة الإنسان وحياته اليومية.
3. انتشار ظاهرة سوء استخدام تقنيات الحاسب الآلي وشبكات الإنترنت وصفحات المواقع العالمية، مثل نشر الفيروسات الضارة والصور الفاضحة وتعميم المعلومات الإرهابية وإفشاء أسرار أسلحة الدمار الشامل.
4. عدم الاستقرار السياسي والأمني في العالم مما يضاعف احتمالات الاعتداء على البنيات التحتية العالمية لنظم المعلومات والاتصالات ، خاصة في الدول المتقدمة التي تعتمد كثيراً على التقنيات العالية.
5. توفر فرص القرصنة وسرقة المعلومات الشخصية والاعتداء على الحريات الخاصة من خلال شبكات الإنترنت.
6. جهل الضحايا بالجرائم الرقمية وطبيعتها.
إن مواكبة هذه التغيرات التقنية التي بدأت تهيمن على حياة الإنسان ومعاملاته ، واحتمالات نمو هذا الاتجاه في المستقبل ، بإيجابياته وسلبياته ، تلزم المعنيين بمكافحة الجريمة والمدراء والمشرفين على أعمال مختلف الأنشطة الحكومية والأهلية القيام بما يلي:
1. التعرف وتعريف العاملين تحت إمرتهم بالبيئة العالمية للمعلومات Global Information Environment ، التي تفرز الجرائم السيبرانية.
2. العمل على تطوير تشريعات مكافحة الجرائم السيبرانية، بشقيها الموضوعي والشكلي
3. وضع برامج توعوية خاصة للوقاية من الجرائم السيبرانية.
4. مراجعة قواعد البينة وتطوير قواعد خاصة للأدلة الرقمية لمواكبة الجرائم السيبرانية.
5. التعرف على الجرائم ذات العلاقة بالحاسب الآلي وشبكات الإنترنت وصفحات المواقع العالمية بأنماطها المختلفة وفق المفاهيم المعتمدة في الدول المتقدمة التي تسيطر على تقنياتها .
6. إستحداث نظم للعدالة الجنائية السيبرانية للتعامل مع الجرائم السيبرانية والمجرم السيبراني.
7. تعزيز التعاون الإقليمي والدولي وتطوير آليات التعامل مع الجرائم السيبرانية عبر الوطنية.
8. اختيار وتأهيل وتدريب موارد بشرية متخصصة، في اكتشاف الجرائم السيبرانية والتحقيق فيها والتعامل مع الأدلة الرقمية في جميع مراحل عمليات العدالة الجنائية.
الكاتب والباحث الإماراتي
عضو اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات
عادل عبدالله حميد
التعليقات