رحل حاتم أنور نسيبة عن عالمنا إلى الدار الاخرة تاركاً وراءه إرثاً عريقاً من الخبرة في هندسة صناعة النفط الإماراتية والعالمية وسمعة طيبة ومحبة من الناس الذي عملوا معه وعرفوه عن قرب – وأنا واحد من هؤلاء –
رحل حاتم بلا موعد وفارق الحياة الفانية بلا ترتيب مسبق , لتظل ذكراه حية لدى كل من عرفه فهو صاحب القلب الطيب والعقل الفذ والابتسامة الدائمة والعطاء المتواصل.
نقرأ في صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية الواسعة الانتشار عن "غياب حاتم أنور نسيبة، وجه شركة توتال النفطية الفرنسية في الشرق الأوسط " كما عنونت الصحيفة مقالها المؤثر عن هذا المهندس الفرنسي الفلسطيني الفذ و الذي توفي يوم الخميس الماضي 18 يونيو في باريس عن 65 عاما.
تقول "لوفيغارو" الفرنسية "حاتم نسيبة ابن العائلة المقدسية العريقة كان طيلة اربعين عاما عماد مجموعة توتال النفطية في الشرق الأوسط" .
كما لفت نظري المقال الذي كتبه "جورج مالبرونو" المختص بشؤون الشرق الأوسط في "لوفيغارو" وقال فيه أن "حاتم نسيبة كان السفير الفعلي لفرنسا في سوريا" بشهادة "ميشال دكلو" وهو ديبلوماسي فرنسي قال ل "لوفيغارو" إن "حاتم نسيبة علمه الكثير عن سوريا والعالم العربي وإن "غيابه ترك اثرا عميقا في العواصم التي عمل فيها من أبو ظبي الى صنعاء ودمشق وطرابلس الغرب" .
وقد نقلت "لوفيغارو" عن احد محبيه ان "اليمنيين أحبوه لأنه من النادر وجود شخص بإنسانيته في مثل منصبه".
وفاء توتال
ولذلك لم يكن غريباً على الشركة الفرنسية ان تكون وفية للرجل الذي عمل فيها واثرى خبراتها في المنطقة العربية , فقد قررت " توتال " استئجار طائرة خاصة لكي تحمل جثمان حاتم من باريس الى القدس لكي يوارى الثرى بجوار والديه في القدس الشريف وهي المدينة المقدسة التي ولد فيها .. ورتبت الاذونات الخاصة من مختلف الأطراف في هذا الظرف الصعب لكي يدفن في مسقط رأسه بجوار والده الراحل أنور زكي نسيبة رجل المواقف الوطنية , السياسي والدبلوماسي المؤثر في تاريخ فلسطين والأردن والمنطقة.
تواضع بلاحدود
كان حاتم نسيبة ابن العائلة المقدسية العريقة ورجل الأعمال المتميز في قمة التواضع الإنساني والعلم والمعرفة والثقافة الواسعة , لم يكن يتحدث عن مناصبه اطلاقا ولاعن نجاحاته في صناعة النفط والتي بدأها في شركة ابوظبي للعمليات البترولية البرية عام 1976 ومن ثم انتقل الى شركة توتال في العام 1980 ليظل احد مهندسيها الكبار حتى وفاته.
حينما كنا نلتقي في المناسبات او الحفلات الرسمية في ابوظبي كان دائما يقدم نفسه للراغبين في التعرف اليه او السلام عليه " انا اعمل في توتال " في حين انه كان الرئيس التنفيذي لمجموعة توتال في دولة الامارات والمدير العام لشركة توتال أبو البخوش في ابوظبي !
حاتم نسيبة , رحمه الله , صاحب رحلة طويلة وخبرة واسعة في قطاع أعمال النفط بجميع أنحاء العالم.. من الخليج إلى آسيا إلى أوروبا إلى أفريقيا.. جسّد خلال مسيرته المهنية مقولة "الرجل المناسب في المكان المناسب".. يصفه كل من عرفه عن قرب بأنه مثال الرجل الخبير الذي يسخر كل جهده وإمكانياته وعلمه في سبيل عمله.. يتفانى في تقديم أقصى ما يستطيع لخدمة المكان الذي هو فيه.. فكانت النتيجة نجاحاً باهراً.. وأثراً طيباً تركه خلفه أينما ذهب.
رحلة العلم والعمل
درس حاتم نسيبة رحمه الله , في كلية "إيتون" ثم حصل لاحقاً على شهادة الهندسة الكيميائية من جامعة "سالفورد" في المملكة المتحدة.. ويتميز بهواياته المتعددة واهتماماته واطلاعه الواسع وثقافته الغزيرة.. القراءة والموسيقى والإلمام بالشؤون الراهنة والتفاعلات الثقافية.
بدأ حاتم نسيبة مساره المهني من دولة الإمارات عام 1976 بتوليه منصب مهندس بترول مع شركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية "أدكو" ومن ثم انضم الى "توتال" في عام 1980 ليتولى منصب مهندس المكامن، وفي عام 1984، تولى منصب تدريب رفيع المستوى في فرع "توتال" إندونيسيا، وذلك قبل العودة إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 1987 حيث شغل منصب مدير لدائرة المكامن في "توتال أبو البخوش" وترّفع لاحقاً إلى مدير تطوير للبترول، وفي عام 1993 أمضى سنتين في دائرة المكامن في مقر "توتال" في باريس حيث شغل منصب رئيس دائرة المكامن لمنطقة أوروبا ورابطة الدول المستقلة، وذلك قبل أن ينتقل إلى قسم المشاريع الجديدة للمجموعة حيث توّلى منصب رئيس الدائرة لمنطقة أفريقيا حتى عام 1997.. كما شغل بين عامي 1997-2000 منصب المدير العام في فرع شركة "توتال" للاستكشاف والإنتاج في نيجيريا، وبين عامي 2000- 2003 منصب المدير العام في فرع شركة "توتال" للاستكشاف والإنتاج في ليبيا، وبين عامي 2004 - 2009 تولى منصب المدير العام في فرع شركة توتال للاستكشاف والإنتاج في سورية.. ثم شغل قبل أن يتقاعد من عمله منصب رئيس شركة "توتال" للاستكشاف والإنتاج وممثل المجموعة في دولة الإمارات حتى عام 2019.
التعليقات