في ذكراهم الطيبة يطيب لنا أن نستعيد حياتهم عندما كانوا بيننا يبدعون بأعمالهم الفنية التي ظلت وستظل ننهل منها قيماً تشكيليه وجمالية، والأهم أخلاقيات نفتقدها.
في مثل هذه الأيام رحل عنا شيخ النحاتين وواحد من أهم فناني النحت الذين أثروا الحركة الفنية بأعماله المتحفية (صغيرة الحجم) وتكويناته وبناياته خاصة في تناوله للجسد البشري ومعالجاته النحتية وتقنياته المتميزة في دراسة ثنايا الملابس إنه الفنان فارق إبراهيم.
رحل عنا بعد صراع مع المرض في 27 يونيه 2010 عن عمر يناهز 73 عاما .. تزينت الميادين في الكثير من محافظات مصر بتماثيله المجسمة التي شرفت بأن أكون أحد "صبيانه" في مرسمه حين كنت طالباً.
تعاودني اليوم ذكريات معه عندما كان ينفذ تمثاله طلعت حرب في أسيوط، وحافظ إبراهيم في حديقة الحرية، وعباس العقاد في أسوان، ولوحات النحت البارز في أكاديمية الشرطة.. وقتها كان يسند لي تنفيذ الأحذية وأربطتها وكنت أظن أنه يرمي بهذه التفاصيل غير مبالٍ بها، لكنه يعاود العمل عليها عندما يقرر أن يختلس قليلاً من الوقت من أجل الراحة فيضع أنامله في أقل تفصيله في العمل الفني.
كوب من الشاي وسيجارته التي لا تنتهي بين أصابعه وصمته لساعات طويلة سماته حين يقضي اليوم بأكمله شارداً يفكر في أدق الأشياء.
إصبع إبهامه وقطع صغيرة متنوعة من أسلحة المنشار التي يهيئها لنفسه هي كل أدواته التي ينجز بها أعماله الضخمة.
كانت لوحات النحت البارز في مترو الأنفاق وبانوراما 6 أكتوبر مدرسة لي أنهل منها تعاليم فن النحت البارز، وهو أحد الفنون التي تحاكي وتسجل تاريخ الأمم وغيرها من الأحداث الاجتماعية والسياسية، ولا ننسى حافظ إبراهيم في حديقة الحرية وأحمد عرابي في التل الكبير، وأخر أعماله عمر مكرم في ميدان التحرير ومن قبله تمثال عبد المنعم رياض.
كنت التلميذ الذي لا يفارقه حتى فارقنا وأنا أجلس إلى جواره أقبل إبهامه الذي عملني كيف يكون النحت وكيف يكون الإبداع – رحم الله أستاذي الفنان فاروق إبراهيم!
د.إيهاب الأسيوطي
التعليقات