فجأة، وبدون سابق مقدمات، أعلن الدكتور محمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والرى المصري عن خطة لإدارة المياه بتكلفة 900 مليار جنيه، لمدة عشرين عامًا، تشترك فيها 9 وزارات مصرية.
المبلغ الضخم يوحى للقاصى والدانى، أن هناك مشكلة حقيقية فى المياه، قد تواجه مصر مستقبلا، خاصة وأن سد النهضة الأثيوبى أصبح على وشك الانتهاء، بدليل الخطاب الإثيوبى الأخير لوزارة الخارجية المصرية بشأن خطة أديس أبابا لملىء سد النهضة.
الخطة تؤكد أن مصر قيادة سياسية وحكومة على قدر المسئولية، فيما يتعلق بمواجهة أخطار سد النهضة وأخطار التغير المناخى على مصر، فالخطر الأول المتمثل فى سد النهضة ينذر، وفقا لدراسات استراتيجية أعدتها أكبر المؤسسات البحثية فى مصر، بحدوث نقص فى حصة مصر من مياه النيل، يتراوح بين 9 و 13 مليار متر مكعب من المياه العذبة، فى حين ينذر الخطر الثانى المتمثل فى التغيرات المناخية بتحويل نهر النيل إلى مجرد ترعة، وهذا شىء يعلم تداعياته أهل الاختصاص، والعلماء أنفسهم يختلفون فيما بينهم حول هذا الخطر، لدرجة أن البعض يصفه بأنه مجرد خيال علمى، غير مبال بسخونة الهواء والتلوث وزيادة حجم ثانى أكسيد الكربون فى الجو، بسبب الانبعاثات الحرارية الناجمة عن استخدامنا لمصادر الطاقة التقليدية.
مبلغ الـ 900 مليار جنيه، يوحى أيضا بأن قيادات الدولة المصرية يعلون قيمة العلم ونتائج أبحاثه، ويتحسبون لها ألف حساب، بدليل أن خطتهم التى سيطبقونها لمدة عشرين عاما، تستهدف معالجة النقص المتوقع فى المياه، عن طريق التوسع فى محطات التحلية واستخدام كل التكنولوجيات المتاحة فى تحلية المياه، بما فيها تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، وكذلك معالجة مشكلة المياه المهدرة، سواء مياه نهر النيل نفسه، أو مياه السيول، بالإضافة إلى محاولة انتاج نحو 8 مليار متر مكعب من الأبار الجوفية.
الخطة يمكن بالفعل أن تغير وجه الخريطة المائية فى مصر، خاصة وأنها تقوم،فى جزء منها، على ترشيد استخدام المياه فى كل مناحى الحياة، وبالأخص تعميم نظام الرى بالتنقيط فى كل المحافظات، شريطة ألا تطولها أصابع الفساد خلال فترة التنفيذ، لاسيما وأنها فترة طويلة، فضلا عن اتساع رقعة منفذيها، حيث يشارك فيها 9 وزارات، وهذا يستوجب من وجهة نظرى، تشكيل مجلس أعلى للإشراف على تنفيذ تلك الخطة، خاصة وأنها خطة قومية، يحتاجها المصريون فى هذا التوقيت.
تلك الخطة على الرغم من ضرورتها القصوى، إلا أنها أثارت فى ذهنى تساؤلات فى غاية الأهمية، منها، هل لها علاقة بخطة التنمية المستدامة 2030، أم ليس لها علاقة بها ؟، بالتأكيد لها علاقة، بدليل أن الـ 12 عاما الأولى منها تتزامن مع خطة التنمية المستدامة، وإن كان عدم تزامن الـ 8 سنوات المتيقية توحى بإجابة فى الاتجاه المعاكس.
هذه الخطة، بحسب تقديرى للأمور، ضربة معلم، إذا ما تم تنفيذها على النحو الأمثل، الذى يعالج كل الثغرات والمشكلات التى نعانى منها، وذات صلة وطيدة بمشاكل المياه، ومن أهم هذه المشكلات حدوث نقص فى الأراضى الزراعى بسبب البناء عليها وتجريفها بما يزيد عن 2 مليون فدان، واحتمال شبه مؤكد بحدوث نقص فى حصة مصر من مياه النيل بواقع 9 مليارات متر مكعب سنويا، بما يعنى نقص حصة مصر لتكون 46.5 مليار متر مكعب سنويا، بدلا من 55.5 متر مكعب سنويا، هى حصة مصر الآن .
ما يجعلنى متفائلا، أننى أعرف، من واقع دراسات استراتيجية اطلعت عليها، ولدى نسخ منها، أن مصر لديها خطة يتم تنفيذها من عام 2009، أى منذ أن كان الدكتور أيمن فريد أبو حديد رئيسا للمركز القومى للبحوث، أى قبل أن يصبح وزيرا للزراعة عقب ثورة 25 يناير، وتهدف هذه الخطة إلى استصلاح واستزراع 3.5 مليون فدان، لتعويض نقص الأراضى الزراعية الذى أشرنا إليه.
خطة الـ 900 مليار جنيه لإدارة المياه فى مصر، تفرضها علينا أيضا أيضا مسألة الديموجرافيا، حيث تؤكد دراسات وإحصاءات، أن مصر سيكون عددها سكانها فى 2050 نحو 150 مليون، وهذا العدد يستوجب على أى حكومة أن توفر له المياه، من منطلق حق الأجيال القادمة عليها، وإلا سيعانون من العطش، إذا لم نأخذ متطلباتهم بعين الإعتبار وبإرادة سياسية وتنفيذية صلبة.
التعليقات