"التسخين الشمسى" يوفر 15 مليار دولار سنويًا للصناعة في "المحروسة"

-    العسكرى: المشروع قابل للتطبيق بشرط ربط الجامعات بالشركات والمصانع  -    الأشطوخى: هناك 3 تجارب تعطى "بريق أمل".. لكن الأبحاث العلمية حول المشروع "قليلة" -    مفاجأة.. المستوى العلمى للخبير الأجنبى يعادل دبلوم الصناعة فى مصر!

طالبت دراسة حديثة الحكومة المصرية، بتنفيذ مشروع قومى يسهم بشكل كبير فى تحسين توليفة الطاقة فى قطاع الصناعة المصرية، تحت مسمى "المشروع القومى لاستخدام التسخين الشمسي في العمليات الصناعية".

ووفقًا للدراسة فإن التسخين الشمسي يمكن استخدامه في صناعات الحديد والأسمنت والبتروكيماويات، وتم التأكد من جدواه الاقتصادية، وذلك بناء على دراسة أعدتها هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة فى مصر بالتعاون مع معمل(riso) البلجيكى، حيث أوضحت أن نحو 60% من استهلاك الطاقة فى قطاع الصناعة فى مصر تستخدم فى عمليات التسخين الصناعى.

أعد الدراسة نخبة من خبراء الكهرباء والطاقة فى مصر، بعنوان "توليفة الطاقة فى قطاع الصناعة حتى عام 2026/ 2027".

وكانت تلك الدراسة الفرعية، والتى تمثل جزءا من الدراسة الأساسية، قد استقت نتيجتها المشار إليها، من نتائج بحث ميدانى  بعنوان "تطبيقات تكنولوجيا الطاقة المتجددة.. الفرص والتحديات"، أجرته على 24 شركة صناعية تمثل الأنشطة الستة الصناعية التى يتكون منها قطاع الصناعة، وتوصلت من خلاله إلى نتيجة علمية مفادها أن التسخين الشمسى للعمليات الصناعية فى قطاع الصناعة فى مصر، سيوفر نحو 6 مليارات برميل بترول مكافىء، متضمنة استهلاك الطاقة الكهربائية، وذلك خلال الفترة من 2013  إلى 2017. 

 ويعتمد هذا المشروع، بحسب معلومات الدراسة، على استخدام الطاقة الشمسية فى عمليات التسخين الصناعى بدلًا من صور الوقود البترولية عند درجات حرارة من 80 إلى 150 درجة مئوية، والتى تمثل 50% من إجمالى الطاقة المستخدمة فى عمليات التسخين الصناعى، خاصة وأن إجمالى استهلاك الطاقة (غاز ومازوت وسولار)، فى صناعة الأسمنت وحدها يصل إلى 3.3 مليون طن بترول مكافىء، وفق أحدث الإحصائيات الرسمية، وبواقع 64% غاز، و36% منتجات بترولية.  و يقدم هذا المشروع حال تطبيقه، وبحسب الدراسة، حلا سحريًا لمشكلة الخلل الموجود فى توليفة استخدام الطاقة فى صناعة الأسمنت فى مصر، ويتمثل هذا الخلل في أنها لا تواكب توليفة الطاقة في صناعة الأسمنت عالميًا، والتى تعتمد على الطاقة المتجددة والفحم بصورة أساسية، وبنسب تتجاوز الـ 60% فى معظم الدول المنتجة للأسمنت عالميًا، وبواقع 94% فى الصين التى تستأثر وحدها بنحو 47% من الإنتاج العالمى للأسمنت. 

وتقدر وفورات هذا المشروع من الطاقة على المستوى القومي بنحو 1.5 مليار برميل بترول  مكافىء، منها نحو 1.3 مليار برميل بترول مكافىء من الغاز الطبيعى، وذلك خلال الفترة من 2013 إلى 2026، وتقدر قيمة تلك الوفورات بنحو 150 مليون دولار، خلال  10 سنوات حال تطبيقه، وذلك لكونها تمثل نحو 25% من  إجمالي الاستهلاك التجميعى لقطاع الصناعة من الطاقة. 

وتقترح الدراسة أيضا تشكيل مجلس قومى لمشروع استخدام التسخين الشمسي فى العمليات الصناعية، على أن يتم تشكيله بقرار من المجلس الأعلى للطاقة، على مستوى رؤساء الجهات المعنية مع أمانة فنية من ممثلى تلك الجهات، وبحيث يضم رؤساء الشركات القابضة في قطاعي البترول والكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة كمحور، وهيئة التنمية الصناعية واتحاد الصناعات المصرية ومركز تحديث الصناعة ووزارة الانتاج الحربي والمركز القومى للبحوث ووزارة الاستثمار، وذلك ليحقق هدفًا أساسيًا يتمثل فى تحقيق نسبة مشاركة للطاقة الشمسية بنحو 30% من إجمالى الطاقة المستهلكة فى قطاع الصناعة، وذلك ضمن توليفة الطاقة 2026/2027. 

الأستاذ الدكتور وجيه العسكرى رئيس قسم القوى الميكانيكية بكلية الهندسة جامعة المنوفية قال: إن التسخين الشمسي فى العمليات الصناعية أمر ممكن تطبيقه فى الصناعة المصرية، ولكن لكي يتم تطبيقه لابد من ربط الجامعات ومراكز ومعاهد البحث العلمي فى مصر بالمصانع والشركات المصرية، خاصة أن مصر لديها خبرات وكفاءات علمية أكبر بكثير من تلك التى يتم الاستعانة بها من خلال بيوت الخبرة الأجنبية، فالخبير الأجنبى الذى نستعين به ونعطيه الأموال التى يطلبها، سواء كان أمريكيًا أو فرنسيًا أو ألمانيًا ، ليس أستاذًا جامعيًا أو حاصلًا على دكتوراه أو ماجيستير، ولا حتى حاصلًا على مؤهل عال، وغالبا ما يكون مستوى تعليمه أقل من مستوى تعليم الحاصل على دبلوم فنى صناعى عندنا.

وتابع "العسكرى"، أن تقنيات عديدة يمكن تطبيقها فى مصر من خلال علمائها ومهندسيها وفنييها، ومنها التسخين الشمسي فى العمليات الصناعية بالصناعة المصرية، وذلك بعد استخدامه بالفعل فى المنازل سواء فى مصر أو الإمارات، بشرط أن يكون هناك ثقة بين رجال الصناعة ورجال البحث العلمي فى مصر، مشددًا على أن هذه الثقة هى شرط لازم وحتمي لإحداث التطور المنشود فى جميع المجالات. 

وأضاف أن تلك الثقة يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، من خلال اجتماع شهري يجمع بين كبار رجال الصناعة المصرية والمجلس الأعلى للجامعات المصرية، وذلك بجمعهم على منضدة علمية أو سفرة علمية لعرض مشاكل الصناعة على المجلس، ليعرضها بدوره على الجامعات ومراكز ومعاهد البحث العلمي لإيجاد حلول لها، ولربط الرسائل العلمية، ماجستير ودكتوراه فى مختلف الجامعات بالصناعة المصرية، لافتا إلى أن تلك الرسائل تتم فى الجامعات الأوربية بشكل ممنهج ومتفق عليه بشكل مسبق، ويتم ذلك بمعرفة الاتحاد الأوروبى، كأن يقوم طالب بجامعة ألمانيا بإعداد رسالة دكتوراه حول الجزء الأخير من جناح الطائرة، وهو ما حدث معه شخصيا أثناء تواجده فى ألمانيا لمدة 5 سنوات، فى حين كان يقوم طلاب آخرون من إيطاليا وبلجيكا وفرنسا بإعداد رسائل الدكتوراة الخاصة بهم، عن أجزاء أخرى من الطائرة، كالمقدمة والمؤخرة، والجزء الأمامى للأجنحة، وذلك كله بهدف عمل مشروع علمى متكامل. 

وأوضح الدكتور وجيه العسكرى رئيس قسم القوى الميكانيكية، أن التسخين الشمسى فى العمليات الصناعية يأتى تطبيقا لفكرة هندسية تتمثل فى عمل مداخن شمسية فى المصانع والشركات لتوليد طاقة حرارية لتسخين المياه والهواء، مؤكدا أن التسخين الشمسى للعمليات الصناعية بالمصنع يحتاج لعمل مزرعة كاملة للمداخن الشمسية، يكون فيها أطباق كبيرة لتجميع أشعة الشمس، لتسخين الهواء، وتوربين يحركه الهواء لتوليد طاقة كهربائية، يمكن تحويلها لطاقة حرارية مثل محطات الطوب أو محطة شبرا، وتولد هذه المداخن طاقة حرارية للعمليات الصناعية بالنهار، ويتم عمل مخازن لتخزين تلك الطاقة فيها أو تخزين الهواء والمياه فيها لاستخدامها فى وقت الليل. 

وأكد أن التسخين الشمسى ليس مكلفا، وفى استطاعة معظم رجال الأعمال فى مصر أن يطبقوه فى مصانعهم، فالمدخنة الواحدة تتكلف نحو 20 ألف جنيه، والمزرعة المتكاملة من المداخن الشمسية تتكلف نحو 1.5 مليون جنيه، وهذا فى مقدرة رجال أعمال كثيرين لافتا إلى إمكانية تطبيقه فى شكل تجربة صغيرة يتم توسيعها فيما بعد، حال نجاحها ، مشيرا إلى أنه أشرف منذ أربعة أشهر على رسالة دكتوراه لطالب فى هندسة المنيا حول هذا الموضوع. 

واستدل "العسكرى"  على أن التسخين الشمسى سيكون أقل كلفة مستقبلا، حال تطبيقه من الآن، بأن السيارة التى تعمل بالطاقة الشمسية كان ثمنها مرتفعًا جدًا في أوروبا وخارجها، ولكن بعد فترة من الوقت انخفض ثمنها وأصبحت فى المتناول، مؤكدًا على أهمية وضرورة ربط رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية بحاجيات الصناعة المصرية ومشاكلها.  وشدد على ضرورة قيام الجامعات المصرية بعمل قوافل علمية لزيارة المصانع والشركات، تتم  تحت إشراف نواب رؤساء الجامعات لشئون البيئة، ويكون هدفها الأساسي ربط البحث العلمي بالصناعة المصرية، لافتا إلى أن التأخر فى تحقيق ذلك الهدف حتى الآن يرجع إلى خشية رجال الأعمال المصريين من التجربة، وعدم تحليهم بالشجاعة والجرأة للدخول فى تجارب جديدة من هذا النوع، مؤكدا فى الوقت نفسه على أن كليات الهندسة فى مصر لديها مشاريع علمية غاية فى الأهمية، ويمكن أن تفيد الصناعة المصرية، حال وجود رابط بينها وبين البحث العلمى والجامعات، مشيرا إلى أن كلية هندسة شبين الكوم بها مشاريع علمية قيمة، منها نموذج للروبوت "الإنسان الآلى"، ونموذج لتوربينة هوائية، ونموذج لتوربينة هيدروجينية ونماذج أخرى. 

ومن جانبه اتفق الأستاذ الدكتور السيد الأشطوخى أستاذ الهندسة الكيميائية بكلية الهندسة، جامعة الإسكندرية، مع وجيه العسكرى، فى أن الخبير الأجنبى الذى نستعين به من خلال بيوت الخبرة الأجنبية، غالبًا ما يكون حاصلًا على شهادة علمية تعادل دبلوم الصناعة عندنا، مرجعًا سبب الإصرار على الاستعانة بهذه النوعية من الخبراء إلى عقدة الخواجة وتأثيراتها السلبية فى النفسية المصرية بمختلف مستوياتها. 

وأكد "الأشطوخى" أن  التسخين الشمسى للعمليات الصناعية بالصناعة المصرية مشروع قابل للتطبيق، ولكنه يحتاج تبني الدولة له لإلزام وإجبار رجال الأعمال على تطبيقه، فضلا عن قيام الدولة بتطبيقه على المصانع والشركات الحكومية، وشركات قطاع الأعمال العام، مستبعدا أن يتجاوب رجال الأعمال من تلقاء أنفسهم مع تطبيق مثل هذا المشروع لأسباب خاصة بهم، منها البعد عن أي شىء جديد قد يسبب لهم "صداع". 

وأوضح أستاذ الهندسة الكيميائية بكلية الهندسة، جامعة الإسكندرية،  أن مصر بها الشمس طوال العام، وتعد أحد دول "الحزام الشمسي النارى"، بما يجعلها على رأس الدولة المؤهلة لاستخدام الطاقة الشمسية فى توليد الكهرباء وفى التسخين الحرارى بالمصانع، لافتا إلى أن التسخين الشمسى يحتاج لخلايا شمسية كثيرة وخزانات شمسية كثيرة لتجميع أشعة الشمس عن طريق عدسات وتحويلها إلى طاقة حرارية لتسخين الهواء والماء، وتخزينها لاستخدامها بالليل، مشيرًا إلى أن الأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع ليست كثيرة فى الجامعات المصرية، بما يعنى أن الموضوع يحتاج لجهد علمي أكبر، حال الشروع الفعلي فى تنفيذه على أرض الواقع. 

وتساءل "الأشطوخى" ، كيف يتم تطبيق مثل هذه المشروعات، والمصانع فى واد، والجامعات فى واد آخر؟ ، مشددًا على ضرورة إلزام الدولة لرجال الصناعة على التعاون مع الجامعات ومراكز البحث العلمى لتطوير الصناعة فى مصر وحل مشاكلها، لافتًا إلى أن أساتذة الجامعات المصرية لديهم أبحاث فى دوريات علمية عالمية يمكن بالفعل، أن تساهم فى تطوير الصناعة المصرية، شريطة إحداث الربط بينها وبين دوائر البحث العلمي فى مصر. 

وكشف "الأشطوخى" عن معلومة مهمة، تعكس مدى صعوبة تحقيق حلم الربط بين الجامعات والصناعة فى مصر، تتمثل فى أن إدارات المصانع كانت ترفض إعطائهم عينات من المياه لتحليلها فى أبحاثهم العلمية، خوفا من الخروج بنتائج تضر بهم، وكانوا هم كعلماء يضطرون إلى الحصول على عينات لأبحاثهم من مخلفات المصانع والمصارف والترع، مؤكدا أنهم كعلماء بجامعة الإسكندرية لم يرد إليهم حتى الآن أى دراسات أو مشروعات عن استخدام التسخين الشمسي فى العمليات الصناعية المصرية.

واختتم "الأشطوخى" حديثه، بأن هناك بارقة أمل بشأن مدى إمكانية تطبيق مشروع التسخين الشمسي فى العمليات الصناعية، تتمثل فى وجود تجارب مصرية فعلية فى هذا الصدد، منها  مشروع للتسخين الشمسى للعمليات الصناعية فى شركة النصر للكيماويات الدوائية، ومشروع مماثل فى المجزر الآلى بالنزهة، ومشروع ثالث للتسخين الشمسى في مصنع حلوان للغزل والنسيج، بالإضافة إلى تنفيذ أول محطة شمسية حرارية بمنطقة الكريمات بقدرة إجمالية نحو 150 ميجاوات تستخدم فيها تكنولوجيا تعمل بالطاقة الشمسية نهارا وبالغاز الطبيعى ليلا وأوقات الغيوم. 

ومن جانبه أكد الدكتور أيمن حمزة المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء والطاقة أن التسخين الشمسى فى العمليات الصناعية موضوع مهم للغاية، لافتًا إلى أن استراتيجيات الطاقة التى تنفذها الوزارة، بصفة عامة، تعمل على تعظيم مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة فى توليفة الطاقة، لتشغيل محطات الكهرباء والمصانع، بما فيها الطاقة الشمسية والوقود الحيوى والفحم النظيف، مشيرًا إلى أن الوزارة لديها خطة هدفها رفع نسبة الطاقة الشمسية والرياح لتكون 42% فى عام 2035. وأضاف أن هناك استراتيجية عامة للطاقة الشمسية فى مصر بهدف الاستفادة من تلك الطاقة فى أفران التسخين الشمسى، وتغطى تلك الاستراتيجية كل الأفرع والجهات التى تحتاج للاستفادة من الطاقة الشمسية، سواء كانت مزارع أو منازل أو مصانع. وقال "حمزة" إن التسخين الشمسى فى العمليات الصناعية بالمصانع المستهلكة للطاقة كالحديد والأسمنت والصناعات المعدنية والبتروكيماويات ليست مجرد حلم، وإنما هو واقع ملموس، مستدلًا على ذلك بوجود تسخين شمسي حاليًا ولكن على مستوى صغير كالقرى السياحية، وسوف يتحول مستقبلًا إلى مستوى كبير ليشمل المصانع، مشيرًا إلى أن فكرة التسخين الشمسى تقوم على تجميع الشمس فى نقطة معينة واستخدامها فى تسخين الهواء والمياه. وأوضح المتحدث باسم الكهرباء أن مصر من الدول التى يمكن أن تعتمد بشكل أكبر على الطاقة الشمسية واستخدامها فى مراحل تالية فى التسخين الشمسى للعمليات الصناعية فى الصناعة المصرية، لافتا إلى أن هناك مشروع لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقرية بنبان بمحافظة أسوان، يعد واحدًا من أكبر مشروعات الطاقة الشمسية على مستوى العالم. 

التعليقات