انتظر المستثمرون أرقام التضخّم الأميركية لشهر يناير بكثير من القلق بعد أن تسبّب نمو الأجور في ارتفاع حاد في منسوب العمليات البيعية في أسواق الأسهم وسندات الخزانة الأسبوع الماضي على خلفية المخاوف من حصول سخونة زائدة في الاقتصاد.
وقد أكّدت البيانات الصادرة يوم الأربعاء أن التضخّم في أكبر اقتصاد في العالم في تصاعد. فقد وصل رقم التضخم العام إلى 2.1% ليتفوّق على التوقعات التي وضعته عند 1.9%. والأهم من ذلك هو مؤشر التضخم الأساسي الذي يستثني المكونات الشديدة التقلّب مثل الغذاء والطاقة الذي ارتفع 0.35% على أساسي شهري، وهي أكبر زيادة شهرية منذ 2005 لكنّه ظل دون تغيّر على أساس سنوي عند 1.8%.
وعادة ما تترافق الأسعار الأعلى بزيادة في الطلب الإجمالي عندما يكون الاقتصاد في حالة توظيف كامل. وما جعل الأمور تصبح مثيرة أكثر هو أن مبيعات التجزئة سجّلت انكماشاً بواقع 0.3% في يناير/ كانون الثاني. وهذا سيعقّد الأوضاع بالنسبة للمستثمرين وصنّاع السياسة النقدية على حدّ سواء إذا ترافق التضخّم الأعلى بإنفاق أقل.
وحتى الآن، لازلت أعتقد أننا سنشهد 3 عمليات رفع للفائدة في 2018 بحسب السيناريو الأساسي الذي أراه، وبرأيي الشخصي، فإنّ هذا الأمر كان قد احتسب في أسعار الأسهم بعد العمليات البيعية التي حصلت الأسبوع الماضي. لكنّ المخاطر أميل إلى المزيد من التشديد في السياسة النقدية وهذا سيشكّل مشكلة بالنسبة للتقويمات التي لا تزال مرتفعة جداً.
ضمن هكذا بيئة، قد يغيّر بعض المستثمرين استراتيجياتهم بحيث يبيعون عند حصول الرالي عوضاً عن الشراء عند حصول انخفاضات، وهذه الاستراتيجية الأخيرة كانت قد اتبعت طوال العام الماضي. هذا يتطلّب المزيد من الارتفاع في عوائد السندات، وإذا حصل كسر كبير لحاجز 3% في عوائد سند العشر سنوات الأميركي فإنه على الاغلب سيقود الى عمليات بيع الأسهم من جديد.
وقد كان انعكاس الحركة الذي سجّل البارحة مفاجئاً تماماً. فقد تراجعت الأسهم في وول ستريت مباشرة بعد صدور بيانات التضخّم، وافتتح مؤشر (S&P 500) منخفضاً بنسبة 0.5% ليعكس خسائره خلال 30 دقيقة، ولينهي اليوم مرتفعاً بنسبة 1.35%. وقد حصل رد فعل مشابه في أسواق الأسهم الأوروبية التي انتقلت إلى اللون الأحمر لكنّها تمكّنت من إنهاء جلسة التداول في اللون الأخضر.
يُفترض أن يسهم تزايد توقعات رفع الفائدة، والعوائد الأعلى للسندات الأميركية في دعم الدولار الأميركي وخاصة مقابل الين. وما نراه حالياً هو العكس بالضبط. فالين هو عند أعلى مقابل الدولار في 15 شهراً ولا يظهر أي علامات على التخلّي عن مكاسبه. وهذا يدل على أن المستثمرين لازالوا قلقين وغير مستعدّين للاستمرار في ما يسمّى الكاري تريد (carry trade) والتي يقومون فيها باقتراض الين بفوائد أقل ليستثمروا في العملات ذات العوائد الأعلى.
ولم يتراجع الدولار مقابل الين فقط؛ فقد هبط مقابل سلّة من العملات، إذ تراجع مؤشر الدولار الأميركي 1.4% من الذروة التي وصل إليها البارحة.
وقد يكون تفسير ذلك أصعب مع اتّساع الفوارق بين معدّلات الفائدة. والأسواق على ما يبدو تتوقع حصول تضيّق في الفوارق بين معدلات الفائدة خلال الأشهر القادمة مع بدء البنوك المركزية الأخرى بعملية تشديد السياسة النقدية. ولكن إذا حصل ارتفاع حاد آخر في عوائد السندات الأميركية، فإن ذلك يجب أن يبدأ باجتذاب المزيد من الاهتمام بالعملة الخضراء.
التعليقات