لو غيرنا الملعقة ألف مرة ، هل يختلف الطعم إذا كان من نفس الطبق؟
هل يمكن ان نتخلى عن النرجسية ونعترف بأن هناك من كانوا بعدنا و سبقونا لأنهم تواضعوا واستعانوا بحقائق العلم وقوانين المعرفة والخبرات العلمية المتاحة؟
حسبة التقدم وقوانينه ومنظموته تكاد تكون واحدة، أخذ بها الكثيرون في الشرق والغرب وتقدموا وتخلينا عنها او ببساطة تعالينا عليها فتجمدنا ..كلمة السر في كثير من حالات التقدم هي التعليم والبحث العليم والشفافية، والمسؤولية ودولة المؤسسات.
اذا كان الطبق الذي نأكل منه منذ عقود عديدة جعلنا أحياء ولكن ليس أصحاء، فلماذا لا نجرب طبقا آخر؟ لا نقصد بالطبق جهة او مؤسسة معينة ولكنها جملة المجتمع المصري أو بعبارة ادق القشرة الطافية على سطح المجتمع، لا يمكن تغيير المجتمع ولكن يمكنا أن نفكر خارج الصندوق، فلدينا أبناؤنا الذين شاءت الأقدار ان يستوعبوا أسرار تقدم الآخرين بل ساهموا في صنع ذلك التقدم،نقصد ألاف المصريين بالخارج الذي أثبتوا نجاحا في الكثير من المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
معظمنا لا يسمع إلا عن عدد محدود من هؤلاء العلماء المتفوقين مثل زويل والباز و يعقوب، ولكن هناك ألاف العلماء المصرين بالخارج ثبت تفوقهم وربما عبقريتهم في عدة مجالات ويعتبرون ركائز علمية فى العديد من دول العالم المتقدم بخاصة كندا والولايات المتحدة وألمانيا، ووفقا لبيان اتحاد المصريين بالخارج فإن عدد علماء وأكاديميي مصر المقيمين بالخارج حوالي 86 ألف عالم منهم 1883 في تخصصات نووية نادرة، ويضمون 42 رئيس جامعة حول العالم، إضافة إلى وزير بحث علمي في كندا.
تفوق هؤلاء العلماء أصبح مادة جاذبة لكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية، فإذا بحثت عن جملة "علماء مصريين بالخارج" ستجد عشرات الصفحات على الإنترنت، ومنها التقرير الموسع التي أعده مؤخرا موقع "ساسا" راصدا كوكبة من هؤلاء العلماء، مثل المهندس كريم رشيد أحد أشهر المصممين الصناعيين بالعالم، الذي أنجز 2000 تصميم، تتضمن الأزياء، والأثاث، والإنارة، والفن، والموسيقى والمنشآت المعمارية،ود. محمد عبده أستاذ الفيزياء المتخصص في الاندماج النووي بجامعة كاليفورنيا، ورئيس مجلس بحوث الطاقة الأمريكي، الحائز على جائزة آينشتاين الدولية. ود.مجدي بيومي مدير “مركز الدراسات المتقدمة في علوم الكومبيوتر بالولايات المتحدة سابقًا، ورئيس قسم الحاسب الآلي بجامعة لويزيانا الأمريكية، وله عدة براءات اختراع بمجال الأجهزة الرقمية المحمولة، مثل مُشغّل الموسيقى “آي بود " "iPod،والمهندس هاني عازر، أستاذ العمارة والتصميم بالعديد من الجامعات، الذي أشرف على إنشاء محطة قطارات برلين، وكرمته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في حفل افتتاح المحطة.ود.مصطفى السيد أحد أفضل علماء الكيمياء بالعالم وأستاذ الكيمياء بجامعة جورجيا الأمريكية للتكنولوجيا،وأول عربي يحصل على قلادة العلوم الوطنية الأمريكية ( أعلى وسام أمريكي في العلوم) وتسلمها من الرئيس جورج بوش عام 2008 تقديرًا لإنجازاته في النانو تكنولوجي واستخدام مركبات الذهب لعلاج السرطان، ود.سمير بانوب أحد أبرز العاملين فى مجال التنمية الصحية والتخطيط الطبي، الذي ساهم في وضع البرنامج الصحي للرئيس الأمريكي أوباما،وشارك في وضع خطط للتنمية الصحية في 71 دولة عربية وأوروبية.
ود. هاني مصطفى أحد أكبر علماءهندسة محركات الطائرات بالعالم، رئيس قسم أبحاث محركات الطائرات بجامعة كونكرديا الكندية ويمثل كندا بحلف الناتو ولديه 23 براءة اختراع و 100 بحث في مجال المحركات و 30 جائزة كبري.
مثل هؤلاء كثيرون ولكن قليلون هم الذين استفادت منهم مصر، وبعضهم تحلى بصبر أيوب لمواجهة البيروقراطية والفساد لكي يترك بصمة على أرض المحروثة مثل زويل ويعقوب!
فهل نفكر خارج الصندوق ونستفيد من كنوز مصر المهاجرة ؟ للحقيقة فإن مؤسسات الدولة بادرت أكثر من مرة لمحاولة الاستفادة من هذه الكفاءات وكان أخرها مؤتمر "مصر تستطيع" الذي عقر في ديسمبر الماضي بالغردقة وحضره 27 من علماء مصر بالخارج ،ولكن كالعادة ينتهي كل شئ عندما ينفض المؤتمر حتى لو عقد داخل أسوار الجامعة، أو نال اهتمام أعلى المستوىات بالدولة، فقد التقى رئيس الدولة مع هؤلاء العلماء ال 27 ؟ ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ وماذا تم في توصيات مؤتمر "مصر تستطيع" التي شملت مجلات الصحة والتعليم والبحث العلمي ورعاية الشباب والفضاء ومواجهة الأزمات واستخدام الطاقة الشمسية فى تحلية المياه والزراعة وحوكمة وتطوير نظم المعلومات؟
علينا ان تعامل بجدية واهتمام أكثر للاستفادة من هذه الكنوز المصرية حتى لا تتحول المؤتمرات التي تجمعهم بمصر، إلى مجرد (شو إعلامي) فالمفترض ان هناك مؤسسة أو وزارة تتابع هذا الامر، ليس مطلوب من القيادة العليا ان تابع كل شئ، لأننا نعيش في دولة المؤسسات وليس عهد الـ "ون مان شو"! .. ربما لا يمكن تغيير الطبق ولكن يمكنا التفكير خارج الصندوق بغض النظر عن نوع الملعقة!
د . محمد يونس
كاتب مصري
التعليقات