نحن على موعد كل عام مع شهر أكتوبر، شهر الظفر والنصر المبين، لسنا نحن مصر فقط، بل وأمتنا العربية والإسلامية، لكنه لا يتألق وبا يتلألأ النصر إلا بمصر ومن خلال كنانة الله في أرضه.
في كل عام يتسابق ويتبارى الكتاب والمبدعون من الأدباء والشعراء وأهل الطرب والفن، والمحللون السياسيون والخبراء العسكريون، كل يريد أن يدلي بدلوه ويعبر عما يجيش بخاطره وما يدور بخلده عن هذه الملحمة البطولية سواء من عايشها بكل تفاصيلها، بكل معاناتها ومعاناة ما قبلها، أو من سمع عنها من خلال القصص والحكايات سواء من الصغار أو الكبار.
ملحمة أكتوبر، ملحمة النصر المبين، ملحمة جند الله (وإن جندنا لهم الغالبون)، فلله در الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولكل عصر رجاله وقادته، وضعوا هموم بلدهم ووطنهم فوق أكتافهم ويالها من هموم تنوء من حملها الجبال، لكنهم أبوا إلا أن يحملوها، الرجل منهم يزن أمة، منهم الطبيب والمهندس والمعلم والمحامي، منهم المسلم والقبطي الذين نذروا أنفسهم فداء للوطن يبذلون أرواحهم للذود عن أرضنا المقدسة واستعادة أراضينا التي اغتصبها الطغاة المجرمون الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من جيوشنا الهادرة المدعومة بصيحات الأمل والنصر، الله أكبر، لسان حالها ننتصر أو ننتصر لا بديل عن النصر.
الرجال صائمون، الأبصار زاغت، القلوب بلغت الحناجر، سنوات طوال الكل ينتظر لحظة الحسم، وما إن قالها الزعيم وأعطى الإشارة إلا وتنفس الأبطال على كل جبهات القتال، على طول خط قناة السويس، تنفسوا الصعداء، فاليوم يوم الملحمة، اليوم يوم إستعادة الكرامة، اليوم يوم الثأر لشهداء السابع والستين المغدورين الذين قتلتهم يد الخسة والنذالة.
وها هي قواتنا الجوية تغرد في أسراب من أباييل تدك حصون المجرمين بشظايا من سجيل، فتحطمت الحصون فصارت كعصف مأكول، وخرج الجرذان من الجحور لتصطادهم بنادق الرجال كالغربان مرسلة إياهم إلى قعر الجحيم.
وها هو بارليف (الأسطوري)، كما يزعمون انهار في ست ساعات، أربكت خطوط العدو الماكر.
إنها إستراتيجيات حرب دبرها وخطط لها قادة عسكريون محبون لوطنهم مخلصون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
فلله دركم أيها الأبطال، لله دركم، أعدتم لنا هيبتنا وكرامتنا، أعدتم لنا سيناء وما أدراكم ما سيناء تلك الأرض الغالية على كل مصري، التى أراد العدو الغاشم أن يجعلها تحت سيطرته مخططا لاستردادها مرة أخرى عن طريق فرية التهجير القسري لأهل غزة إليها، لكن هيهات هيهات فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فقالها لهم الرئيس القائد عبدالفتاح السيسي، سيناء خط أحمر، إياكم وسيناء فالدم المصري الذي روى أراضيها إذا ما حاولتم المساس بها سيدمركم تدميرا.
فى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان كنا على موعد مع إنجاز وعد الله، العمل على أشده على الجبهات، المجهود العسكري وفرت له كل الطاقات، الشحن المعنوي على أشده في كل الإذاعات، فى التليفزيون، في الصحف، فى المجلات لمحاولة إزالة آثار نكسة السابع والستين لكن كيف وكل بيت فيه شهيد، وكل شارع، وكل حارة وكل زقاق، الكل كتم أنفاسه وحبس دموعه ولم يزرفها على أحبته وإنما ادخرها ليوم النصر فبكوا فرحا بهذا النصر فاختلطت دموع الحزن بدموع الفرح مع أول بيان للقوات المسلحة عبر المذياع، عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس وقامت قواتنا الجوية بدك دشم وحصون العدو وأربكت كل صفوفه وشلت كل دفاعاته، وبدأت وكالات الأنباء العالمية تذيع خبر العبور، وظهر قادة العدو والخزي والعار يملأ وجوههم، والرعب زلزل أركانهم فارتعدت فرائسهم واستنجدوا بحليفتهم الأم والراعي الرسمي لكل جرائمهم،(ماما أمريكا)، لكن هيهات هيهات فأنتم أمام مصر، نحن من نقاتل ونحن من يوقف القتال، ونحن من يدعو للسلام، سلام القوة، ونحن من يقبل معاهدة السلام بشروطنا، شروط المنتصر.
إن الإعداد لحرب أكتوبر وتحقيق النصر العظيم لم يتأتى من فراغ وإنما كان هناك إعداد جيد.
وهنا تأتي فلسفة الحكمة في إدارة الأزمات وإدارة المعارك، متى نشحذ الهمم ونهيئ الناس للحرب ومتى نعلن للناس أننا لسنا على استعداد وليس لنا طاقة بجالوت وجنوده، أقصد ليس لنا طاقة بهؤلاء الطواغيت.
إنها حنكة القادة وحنكة سلاح الشئون المعنوية بجيشنا العظيم، إنه بلغة العسكرية الخداع الإستراتيجي، تماهي فى التدريب، إعطاء إجازات كثيرة للجنود والضباط وصف الضباط، إقامة حفلات الترفيه وإرسال الأئمة والوعاظ إلى الجبهات، هدوء تام وكأنهم يقولون للعدو نحن لا طاقة لنا بكم وتدريباتنا تحصيل حاصل.
ليس هذا وحسب بل وتعبئة الرأي العام أننا لن نحارب وحبس الصحفيين الذين خرجوا فى مظاهرات مطالبين بالحرب، لكن أنتم لكم رأي، والقادة أهل الذكاء والفطنة لهم رأي آخر.
وبدأت حرب الاستنزاف التي استنزفت طاقات العدو وبدأت البيانات العسكرية تملأ الإذاعة وراحت الاحتفالات تجوب شوارع البلاد من شرقها إلى شرقها، ودقت أجراس الكنائس، تدوي، وراح القساوسة يدعون إلى الوحدة والاتحاد، وهب الأئمة فى المساجد على المنابر يشحذون الهمم، ودوت أصوات التكبيرات تعلو في كل مساجد مصر، تعزف سيمفونية خالدة في جوقة موسيقية قادها الشعب المصري العظيم فتوحدت أجراس الكنائس مع أصوات المآذن، دعوتهم واحدة وقبلتهم واحدة، دعوتهم النصر، الجهاد، قبلتهم مصر الكرامة، مصر العروبة، مصر سيناء أرض الفيروز، نكون أو نكون، نحن أصحاب الحق، أصحاب الأرض.
ليس هذا فحسب بل بخبرة القائد الزعيم السادات حصلنا على تأييد عربي واستعملت الدول العربية سلاح البترول فمنعته عن أوروبا وكل داعم لهذا الكيان اللقيط المجموع من الشتات.
وكتب الله لنا النصر المبين فصار شهر أكتوبر أيقونة لكل الانتصارات، وبات هذا الشهر عقدة عند بني صهيون ولو بيدهم لأزالوه من التقويمات.
إن انتصار أكتوبر العظيم أعاد لمصر هيبتها وسط الدول، فحقيق علينا أن نحتفي ونحتفل كل عام بهذا النصر المبارك الذي ثأر أبطالنا النشامى لشهداء النكسة وشهداء مدرسة بحر البقر، بل وثأرت لما ارتكبته إسرائيل من حماقات ضد أمتنا العربية والإسلامية، فغزة ليست منا ببعيد ومن قبلها صبرا وشتيلا ومذابح قانا، ولبنان.
إن نصر الساس من أكتوبر، عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين لهو فخر لنا جميعا، لكن حقيق علينا أن نفرح إذا وظفنا هذا النصر لاستشراف المستقبل والنهوض ببلدنا الحبيب والوقوف بجوار قادتنا الذين دوما وأبدا شغلهم الشاغل تحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالبلد في كآفة المجالات من أجل تحقيق الغاية المنشودة، حلم الجمهورية الجديدة التي تواكب تطورات العصر ومستحدثاته ومستجداته.
وحتى يتم ذلك الأمر وهو ليس ببعيد علينا جميعا أن نحارب الشائعات بكل ما أوتينا من قوة وألا نستمع لأولئك المأجورين الذين يبثون سمومهم من خارج البلاد عبر قنوات الفتنة وقنوات الشر محاولين أن يبثوا روح اليأس فى نفوس الناس، مستغلين الأزمة الاقتصادية التي طالت العالم كله مشككين في كل منجزاتنا.
ولابد أن يعلم بنو وطني أن العالم بات على فوهة بركان، بل أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، فلابد أن نعد العدة ونتسلح بسلاح الصبر والإيمان ونتخندق في فندق واحد مع قادتنا ونشد من عضدهم لمواجهة هذه الصراعات التي تحيط بنا من كل الاتجاهات، من فلسطين، من اليمن، من إثيوبيا، الصومال والسودان، من لبنان، الكل يراقبنا، الكل نظره ملتفت إلينا.
فيا أيها الشعب البطل مصر أمانة في رقابكم فيا شعب أكتوبر، يا شعب البطولات ضعوا مصر أمانة في رقابكم ولنصلي جميعا صلاة واحدة لرب واحد أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والسلام والاستقرار.
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان
التعليقات