دوما ما كنا نردد قديما إذا ما أنجزنا عملا واستشعرنا معه ومن خلاله فخامة هذا العمل سواء فى الكتابة أو في أي فن من الفنون، دوما ما كنا نقول (ليس فى الإمكان أحسن مما كان)، أما الآن وفي مصرنا المعاصرة أمام حالة خاصة، أمام تحد عظيم شأنه، أمام ظاهرة بشرية فريدة من نوعها، أمام إنسان مصري جسد حضارته وتراثها المائز واقعا ملموسا فأخرج مكنوناتها من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل.
عندما تولى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية المصرية العربية، وأخذ على عاتقه النهوض بهذا البلد قائدا ثورة للتصحيح في كل المجالات موجها كل طاقاته الفكرية إلى التفكير خارج الصندوق دونما إفراط أو تفريط، بحاثا عن دررها ومكنوناتها وكنوزها المخفية - مصر ـ ساعيا إلى تحقيق حلم طالما راودنا جميعا نحن المصريون، لماذا لا نأخذ حقنا من التقدم، لماذا لا يتحقق ما نصبو إليه من تحقيق حلم التنمية المستدامة على كآفة الأصعدة وفي كآفة المجالات.
وقبل القائد التحدي ، وراح يحقق حلمنا الكامن بداخلنا ، ووقف معاهدا شعبه ألا يهدأ له بالا إلا وتحقق المراد، وفوضه الشعب على ذلك.
وبدأت جهوده الإصلاحية ، فشاهدنا نهضة غير مسبوقة فى البناء والتشييد والمعمار وخير شاهد على ذلك فخر جمهوريتنا الجديدة ، العاصمة الإدارية ، حلم الخروج من زحام القاهرة إلى فضاء رحب فسيح تتنفس موسساتنا الصعداء بعد أن اكتظت بقاطنيها وضاقت بهم زرعا ، فأنشئت العاصمة الإدارية ، وغيرها من المدن الجديدة.
نعم قاد الرجل ثورة تصحيح وإعادة هيكلة لمؤسسات الدولة.
ليس هذا وحسب بل أعاد للحياة السياسية رونقها من خلال الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية وانتخابات الرئاسة ، وانتخابات النقابات وتأسيس العديد من الأحزاب.
فضلا عن جهود الدولة في تحقيق السلام العادل واحياء القضية الفلسطينية ، وعدم جرجرة جيشنا العظيم إلى حرب لا يجنى من وراءها إلا الخراب والدمار.
إلا أن القائد لم تقف جهوده الإصلاحية عند هذا الحد ، فوجهها وجهة آخرى ، وجهة تراثنا الحضاري القديم المتمثل في ثرواتنا الأثرية العملاقة التي تعدل ثلث آثار العالم ، إنها ثروة مهولة تشهد على أمة عظيمة وحضارة امتدت عبر آلاف السنين من خلال الأسر الحاكمة لمصر ،جسدتها آثارهم الموجودة على جدران المعابدة الممتدة على طول بلدنا الحبيب شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا .
فما كان ينبغي الوقوف عند هذا الحد ، وإنما كان ينبغي وفقا للتقنيات الحديثة ووفقا للمعاصرة والحداثة ومواكبة العصر بكل مستحدثاته ومستجداته أن يوجه القائد إلى الإهتمام بآثارنا بالصورة التي تليق بحضارتنا وبمصرنا القديمة والوسيطة والحديثة ومصرنا المعاصرة .
لتقول للعالم نحن هنا متواجدون بتاريخنا الممتد عبر عصور الإنسانية ، ولن نكتفي بالمديح والثناء والتغني بأمجاد آبائنا وأجدادنا وأسلافنا وإنما سنبرز هذا الكم الهائل من أثارنا إلى العالم في صورة متحف عالمي يضم كل آثار مصرنا الحبيبة ليس هذا وحسب بل يضم ما استعدناه من آثار هربت في غفلة من الزمان ، وهذا جد محمود صنيعه.
فعقد القائد ومن خلفه المصريون العزم على تشييد هذا المتحف الذي سيشهد التاريخ المعاصر وستشهد الأجيال القادمة على عظمة هذا الشعب وقدرته على التشييد والبناء.
وقد حددت الحكومة المصرية موعدا تاريخيا لانطلاق فعاليات افتتاح هذا المتحف فى الفاتح من نوفمبر من العام الجاري ، وإنه ليوم مشهود وإنه ليوم مجموع له الناس من كل حدب وصوب ، ليشهدوا منافع لهم متمثلة في التمتع برؤية هذا الصرح الشامخ العملاق بأروقته بأعمدته ، بتحفه ، بأثاره ، بأضوائه ، بصالات عرضه ، بحفاوة الاستقبال من الشعب المصري المضياف.
برئيس لقبه العالم برجل السلام ،فمرحبا بهذه الوفود العزيزة في أرض السلام.
إن هذا المتحف العملاق إن صدق حدسي سيكون معلما ومزارا سياحيا يكون قبلة للزائرين يحج إليه للناس من جميع أرجاء المعمورة ، فكما لدينا أهرامات الجيزة وأبا الهول وأهرامات سقارة ومعابد الأقصر وميرت آمون بأخميم والعرابة المدفونة ومعبد فيلة وأبا سنبل وغيرها ، أضيف إليهم المتحف الجامع الحاوي لأثارنا الخالدة التي تشهد على نهضتنا المعاصرة .
فهذا الصرح العملاق سيربط الماضي بالحاضر والحاضر يكون طريقا للمستقبل.
وقبل أن أختتم مقالتي ، ضرورة ملحة أن نتقدم بالشكر الجزيل لفخامة الرئيس الذي وجه إلى ضرورة إنشاء هذا المتحف ، وكذلك المجلس الأعلى للآثار ووزارة السياحة ووزارة الثقافة وجميع مؤسسات الدولة التي شاركت في هذا العمل العملاق .
والشكر كل الشكر لشعب مصر العظيم الذي وقف جنبا إلى جنب مع قيادته السياسية لإتمام هذا العمل الجبار.
وأهيب بهيئة الآثار الاستمرار فى البحث والتنقيب عن ثروتنا الأثرية فهي كنوز مخفية ، البحث والتنقيب عنها بطرق علمية حتى لا تتعرض آثارنا للتلف ، كما أهيب بشرطة الآثار المحافظة على آثارنا من السطو عليها من لصوص لا هم لهم إلا البحث عن الثراء الفاحش لا يرقبون في وطن إلا ولا ذمة ، بل والضرب بيد من حديد على كل من يضبط متلبسا بسرقة أثارنا وتقديمه للمحاكمة الجنائية ، نعم الجنائية لأن هذا يعد سطو على تاريخنا وسرقته.
كما أهيب بدبلوماسيتنا المصرية بذل جل جهدها لإستعادة آثارنا التي هربت بليل من البلاد.
إن متحفنا المصري الكبير يحكى حكاية وطن علم العالم مفهوم قيم الحق والخير والجمال داحضا فريات بعض المستشرقين غير المنصفين ، أن الشرق ليس لديه حضارة ولا تاريخ ولا فنون ولا ثقافات، وأن الحضارة الحقيقية هي حضارة اليونان.
نقول لهؤلاء ومن على شاكلتهم تعالوا اشهدوا افتتاح متحفنا الكبير لتموتوا بغيظكم.
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان
التعليقات