لأن فبراير المحب هو شهر ميلادى فكنت أنوى كتابة عبارات مشجعة تشحن طاقة الأمل فى قلبى وتحفز مسارات السعى والتواصل والاستمرارية، وهى عبارات بمثابة نصائح لعامى المقبل، أفتح بها صفحة جديدة خالية من الهموم ومليئة بالأحلام الوردية لتنير الوجه وتجدد الروح فترتفع المعنويات إلى القمة فأنسى المشقة كمياه عبرت لا أعود أذكرها وأمتد إلى قدام بكل إيجابية وأسعى نحو الغرض بمنتهى الإصرار.
وبالفعل بدأت أكتب أول سطورى على شكل قائمة تحمل أهدافا براقة وخطوات مدروسة علىَّ الالتزام بها حرفيًا حتى أحقق النتائج المرجوة، وفجأة لفت نظرى فيلم قصير على اليوتيوب اسمه (درس فى اللغة العربية) فى البداية لم يجذبنى الاسم وتصورت أنه درس عابر فى اللغة العربية، لا يستحق فيلمًا ولكن فضولى دفعنى لمشاهدته وقلت ربما يحمل معنى عميقًا لا أنتبه إليه.
خصوصًا أنه من تمثيل بطلين فقط، أستاذ وتلميذ، والأستاذ هو الممثل عز الدين مهيوب الوجيه والتلميذ هو الممثل ريان رقيل القرشى، والفكرة والتصوير والإخراج لمعاذ المغربى. تبدأ الأحداث فى أعقاب فصل دراسى، يقف فيه الأستاذ أمام التلميذ ويطلب منه أن يُعرب الجملة التالية (عشق المغترب تراب الوطن)، ويبدأ التلميذ فى إعراب الجملة العربية من وجهة نظره المستقلة ويدور بينهما الحوار التالى:
■ التلميذ: كلمة (عشق) يا أستاذنا هى فعل صادق مبنى على أمل يحدوه إيمان واثق بعودته الحتمية.
كلمة (المغترب) هى فاعل عاجز عن أن يخطو أى خطوة فى طريق الأمل وصمته هو أعجز عن ردة فعل يمكنه أن يبديها.
كلمة (تراب) هى مفعول به منصوب وعلامة نصبه أنهار الدم وأشلاء الضحايا والقتلى.
كلمة (الوطن) هى مضافة إلى تراب مجرورُ بما ذكرته فى إعراب تراب سابقًا.
- المدرس: ماذا بك يا ريان ولماذا غيرت قواعد النحو وقانونه، سأعطى لك جملة أخرى لتعربها وأرجو منك الالتزام بالقواعد والجملة هى (صحت الأمة من غفلتها).
■ التلميذ: أين هى القواعد يا أستاذنا ومن يلتزم بها!؟ إننى أعرب الجملة بما أشعر به من معنى. كلمة (صحت) فعل ماضٍ ولا أمل أن يعود، والتاء تاء التأنيث فى أمة تكاد لا ترى الرجال. كلمة (الأمة) فاعل هده طول الثبات حتى إن الناظر إليها يشك بأنها مازالت على قيد الحياة. حرف (من) هو جر فى غفلة حجبت عنه شغلته الصح. كلمة (غفلتها) هى اسم عجز حرف جر الأمة على أن يجر غيرها، والهاء ضمير ميت متصل بالأمة التى هانت عليها الغفلة مبنى على المذلة التى ليس لها من دون الله كاشف.
- المدرس: أنت تعرب الجمل على هواك دون مراعاة لأصول اللغة العربية.
■ التلميذ: لكنها الحقيقة بكل بشاعتها والاعتراف بها هو الشىء الوحيد الذى يجعلك تتأكد من أن الضمير لا يزال حيًا.
- المدرس: لكن إعرابك لن يحل الأزمات.
■ التلميذ: يكفى أن الإفصاح يرمم الشعور بالكسرة والتعبير عن الشعور هو بداية الطريق، فالمشاعر بعد أوانها تصبح ممنوعة من الصرف.
وإلى هنا ينتهى الفيلم ولا أنكر أنى أضفت بعض الجمل على سياق الحوار لأنى شعرت بما يتأجج داخل قلب التلميذ من مشاعر تبحث عن تفسير لما جرى وما يجرى فى وطننا العربى، وأعتقد أن أى كلمة تضاف إلى هذا الحوار الصريح المؤلم هو تحصيل حاصل، يكفى ما دار فيه وما أتيت أنا به، وإليك عزيزى القارئ الواعى التعليق على ما شعرت من قواعد نحو وقوانين صرف جديدة.
التعليقات