من ضمن محاسن الدنيا هي القدرة على العيش بسلام، أن تستطيع أن تعيش على سطح دنيتك كسائر البشر، أن ترى الجزء الظاهر من النفوس، أن يتوقف عقلك عن التقاط الخبايا، وألا تستطيع أن تشتم ريح الأنفس الكريهة.
أحيانا الأدخنة البشرية قد تكبلك عندما تكون قادرا على الغوص في نفسك وأنفس من حولك، وهذا هو الإجهاد الذي يعيدك إلى وحدتك المؤلمة فتخرج لتتنفس بضع مرات مثل الحوت ثم تغوص روحك للأسفل تحت المياه لتظل غير مرئي بأمان.
بعض الجهل بالأشياء نعمة تكسبك الكثير من راحة البال؛ الرؤية من خلال ضباب الأرواح تزيد في عيني قصر النظر.
وقت أن أمسكت بقلمي رسمت أحباره الكثير من الحكايات، بعضها قُرِيء وبعضها حبيس أركان القلب والكثير سيظل طي الوجدان.
يسعى الكثير من البشر إلى محو ذاكرة اللطف من قاموس دنياك، ولعل ذاك أكبر التحديات؛ أن تظل ذاكرة مخزون الجمال حية في قلبك … لعمرك أنه ما يفرق الحي عن الميت في دنيتنا.
العشق ليس ضرورة لإقامة الحياة، إن جل سعادتك المفقودة تترنح في ذاك التوازن الذي يجعلك مطمئنا أنك نفسك، أن كلمات اللطف في قاموسك لازالت تحمل نفس المرادفات، وأنك كلما راجعت قلبك تجدك على خير.
سيدي إن شهادة التقدير التي تنجيك موجودة في إجابتك عن بعض التساؤلات.. هل أنت على استعداد لتلقي أفعالك؟ هل لديك اليقين أن أخطائك بغير سبق إصرار؟ هل حقا عندما يُفَك وقف قلبك ستنجو؟ وهل بحق لا تخشى أن تقف أمام الخالق مُحَاسَبا على نواياك؟
المخاض القلبي لبعض البشر يسفر عن نفوس تُقبِضك!
في الماضي كان الناس يستنشقون ما يسمى "بالنشوق" وهو نوع من أنواع التبغ المضاف له مادة عطرية يخلق لديك الرغبة في العطس ثم يقال أنه يحسن مزاجك بعدها.
اليوم لا أعتقد أن النشوق له زبائن، نحن اليوم نعطس من أدخنة القلوب بلا ترف تحسين المزاج الوقتي.
عندما يأتي صاحب القلب المدخن ليقول يرحمكم الله، لا ترد عليه … فما أصابك ليس نزلة برد بل نزلة قلب.
نحن لا نأتي بكلمات جديدة بل نستخدم المفردات التي نعرفها لصناعة معانٍ تغلف القلوب ببعض اللطف المفقود.
عندما يغمرك الحدث تكون يدك مغلولة بحاجاتك فتتعثر لديك الرؤية بحكمة.
تعلمت مؤخرا ألا أشارك في معركة إذا كان لا يوجد شيء أربحه منها، فهذا أسوأ ما قد يُترب القلب فيزول لطفه وعنفوانه.
اللطف هو فعل الود الخال من الإجبار.
يقول مارك توين:«اللطف هي اللغة التي يمكن للأصم أن يسمعها وأن يراها الأعمى».
لم يخذلني اللطف يوما سوى بقرب مدخني النشوق، من يتعاطون الدخان سرا وكأنهم لا يفعلون، من لا يحملون سيجارة بين أصابعهم وصدورهم يخنقها دخن الغيرة الكريهة وعفن الحقد.
أكثر من يطالبك بمثالية اللطف هو أكثرنا عجزا عن العطف، فاقد الود متقلب المحبة أجوف بخواء.
قالت لي جدتي رحمها الله أن جدي رحمه الله قال لأمي أطال الله عمرها، أنا ربيت لكم رحاب. توفي جدي العالم الجليل الحاصل على وسام الجمهورية في العلوم من الطبقة الثانية وأنا بعد طفلة صغيرة.
كان جدي صاحب اللطف، لا يزال بعض الأطباء الكبار في الأسكندرية يعرفونه ويحتفون بي لأني حفيدته.
كل ما أذكره عن جدي أنه كان الطيب الذي لا يكتم مشاعره أبدا، لديه العقل الراجح والحضن الرحب الذي ترتاح بداخله، الأمن والحنان اللذان كانا يَقْتُران من قلبه كانا منبع لمخزون اللطف الذي تركه بقلبي إلى اليوم.
أحد مساوئ الكتابة أنها قادرة على إحداث الفوضى في قلبي، كلما اقتربت من نفسي تغرقني في ينبوع للبحث عن الضوء، وللأسف عندما ألتقي ضوئي تأتي رائحة النشوق فأعطس ولا أجد من يرد بيرحمكم الله.
لا أتوق في دنيتي للعشق فقد يفقدني توازني، ولا أسعى للحب قدر سعيي أن يظل اللطف الودود طريقي، أن يكون كل جديدي على خير القديم، وأن يكون القدير الرحيم هو من يرد عليّ بيرحمكم الله.
التعليقات