أمام مرآة قلبها الفرحان ظلت تختبئ، تخشي من ملاحقة ظل المرايا لجرفها. تبتعد كلما اقترب الضوء عليه وتخشي من البوح أو سقوط دموعها علي سطح المرآة اللامع وتسمع أنينها. سنوات وهي تضع حائلا بينها وبين كل المرايا أو تختبئ.
لكن في لحظة غاب عنها حرصها الشديد من هروبها من المرايا وسقط كل ما بداخلها في حجرة القياس فجأة دون أن تشعر حاولت الهروب من بين الثلاث مرايا وفي لحظة الهروب فتحت الفتاة الستار لتحضر لها كل الفساتين اللامعة لتحتفل بأعز مناسبة علي قلبها. ما بين فرحتها ورغبتها في الهروب من المرايا انفتحت أمام أعينها شاشة الذكريات وصوت الطبيبة والميعاد ولحظة فرج ستتخلص فيها من كتلة تخنق أنفاسها ولكن حالت الأقدار وسكن الحزن علي كل جدار في قلبها وعادت بحملها الثقيل على متن الطائرة والحزن ثقيل على صدرها. وظلت السنوات تمر ويتدلي الألم ويأخذ بعنقها وظهرها فقرة فقرة تلو الأخري.
وثقلت الخطوات وصارت متنقلة مابين جهاز أنبوبي تطول فيها أصوات الرنين وإشعاعات وأشعات وضغط علي كل أطرافها المتدلية لأقصي درجة وصراخ مكبوت لم تستطع كل الأجهزة الحديثة الوصول إليه. حتى تلك الدموع السابحة في بحر حزنها التي وصلت لكل أعماقها بعد ربع قرن من الزمان. هنا يتدلي الألم فوق قلبها وصدرها وحتي نقطة التقاء وفراقها مع أمها.يدوي الصراخ بداخلها حتي صحبها الطنين ولم يعد للطبيب حيلة ليخلصها منه رغم جلوسها أمام جهاز أشعة الليزر لم يستطع سماع ما بجوفها وتزداد بحيرة الدموع.
بعد انكشاف الستار خلف الثلاث مرايا قررت من جديد أن تعاود رحلتها رغم عدم تحملها لتلك الألوان التي حقنوها بدمائها.
وحينما دخلت العيادة ظلت علي يسارها ويمينها تتناثر قصص خبيثة في ألمها وظلت تضع يديها علي أذنيها وتهرب بالخروج السريع كل مرة دون مقابلة الطبيب وتلقي بأشعتها خلف الباب.
وحينما رأت ذلك الفستان اللامع الضيق عنقه وما فوق خصره اشتاقت لرؤية نفسها بعيدا عن كل جرح ويطول نظرها في ذاتها تهدهدها وتعدها بقرار كبير.
أتهرب من المرآة أم من الخوف؟ الذي يلاحقها من السقوط تحت كشافات مستديرة ونومها علي طاولة تعلوها أسنة المقصات والشفرات وتسبح في عالم بعيد من الرحيل المؤقت تحت ماسكات أكسجين في عنقها شكات طويلة في ذراعها.تدلي هنا الجسد تحت الأضواء والدم يسيل هنا وهناك وأسلاك وخيوط ترسم جسدا جديدا في غيب بعيد.
استيقظت "رفقة" وتحسست بيديها نهديها والبكاء يسيل علي جانبيها ورائحة الدم علي شعرها من كل جانب.
وطلبت وهي في نصف وعيها أن يحضروا لها المرآة. ولأول مرة تقف دون الهروب منها رغم زلازل الخوف التي رجتها سنوات طويلة وهي تحمل تلك الكيلوات الأليمة. ورغم كل الخيوط المعدنية من كل اتجاه التي تلفح جسدها مع ارتفاع الحرارة داخل جسدها ورغم النبح الذي لا ينام من كل جانب تتمني سكوته عنها وتضم نفسها بين ذراعيها.
وفجأة وجدت وجها جديدا غاب عنها منذ سنوات حجبها عمن حولها منذ أن ثقلت الخطوات.
تسرع الآن لحجرة القياس بين الثلاث مرايا وبدون ستار.
تسرع بالخروج من منفي الذات
حاملة غصن الزيتون حالمة بحمامة سلام
التعليقات