كان فى ذاكرتى القديمة وقبل ظهور الحاسوب والهاتف المحمول، رحلات فى فضاء كبير تعلمنى الجمال وتذوقه وترقى بذوقى وذاتى. كلنا من هذا الجيل نفتقد الآن حصة الإملاء التى كنا نسمع فيها اللغة العربية بجمال مخارجها وإتقان كتابتها. موسيقى من نوع آخر لماذا افتقدها أولادنا فى المدارس؟
كنا نحمل الألوان لنرسم ونتعلم كيف نرسم، بالرغم من عدم وجود كليات تربية نوعية وفنون جميلة وفنون تطبيقية من نصف قرن مثل اليوم. واختفى المرسم الجميل.
وحتى البحث عن آلة العزف المفضلة سُحبت من تراثى وضاعت من مدرستى اليوم. غاب العزف العذب العشوائى من إبداعنا. لماذا غابت حصة الموسيقى؟ نحن فى الساحة والفناء مازلنا ننتظر مدرس الموسيقى بشغف. كنا نفرح وهم يحملون الأدوات ويعزفون بأنفسهم النشيد الوطنى غير المسجل على المحمول.
نعزف، نرسم، ونخرج فى رحلة عالم الخيال ونبحث عن القصص التى نحبها. نختار منها ونلخصها ونرسم ما نتخيله منها. كراسات ابداعات. كانت من أغلى مقتنياتنا الخاصة وتمنحنا شهوة القراءة.
وكراسة الخط العربى، كراسة من نوع فريد. كنت أحبها وأحب الكتابة بين النسخ والرقعة كما كنت أتمنى أن أتعلم باقى الخطوط.
كما كان حلمى أن أتعلم رسم وكتابة لغة أجدادى الحروف الهيروغليفية. كم منا هنا هنا بجوار آثار أجداده يستطيع قراءة رسائلهم؟ وكم من غريب عرفها وملكها هناك؟
أين سأبحث عنهم؟ وأين أطوف بأبنائى فى أرجاء المدينة لأجد لهم كل ذلك بعيدا عن أسوار بعض المدارس الخاصة وإن تواجدت حتى فى الكثير منها عودى إلينا حصص الأنشطة جمعاء!
بقلم أ.د/ فتحية الفرارجي
أستاذ الأدب والنقد الفرنسى ورئيس قسم اللغات الأجنبية
التعليقات