بعد انتهاء واجب التحفظ الذي يلتزم به أعضاء لجان التحكيم في المهرجانات التي تحتضن منافسات يمكن لكاتب السطور أن يتحدث بعد أن شرف بتكليفه بعضوية لجنة التحكيم في المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية.. في دورته الرابعة والذي تحتضنه منذ ثلاث سنوات مدينة سوسة لؤلؤة الساحل التونسي ويلقى كل الرعاية والدعم المعنوي من الدولة التونسية على الرغم من كونه مهرجانا خاصا يتكفل به مؤسسه وصاحب فكرته السيد/ وليد بن حسن الناشط جدا في كثير من التظاهرات التونسية وخاصة في ولاية سوسة الجميلة، والحق أن أهالي تلك الولاية وولايات الساحل التونسي عموما "سوسة، المنستير، والمهدية" يتمتعون بمحبة كبيرة لولاياتهم ويتميزون بتفانيهم في خدمتها وتنشيطها بشكل دائم حتي في أوقات الركود والمشكلات الطارئة مثل "جائحة كورونا" التي ولد من رحمها فكرة تلك التظاهرة المميزة؛ وكأن المولى عز وجل أراد أن يجعل سببا يؤكد لنا كيف "يخرج الحي من الميت".
فخلال تلك الجائحة التي توقف فيها العالم بأسره كان عقل صاحب فكرة المهرجان يعمل ويبحث كيف تستأنف الحياة ويعود الأمل بعد إنتهاء تلك الجائحة التي جثمت كآبتها على العالم الذي يسيئ اليه البشر بمختلف الطرق، لذا فقد إرتأى أنه لابد من وسيلة لتوعيتهم لكي يحترموا عالمهم وطبيعته أكثر والذي يمكن أن يتأتى من خلال عالم الصوت والصورة بتقديم فيديوهات جذابة ومكثفة توضح للجمهور كيف يمكنهم ذلك .. لا في تونس وحدها ولكن في العالم بأسره.
بدأ "وليد بن حسن" مؤسس المهرجان في طرح فكرته على مجموعة من أصدقائه لبلورتها من خلال وضع تفاصيل وشروط للتظاهرة وكان ضمن هؤلاء السيد "أيمن الدردوري" مدير الدورة الرابعة.
أيمن الدردوري مدير الدورة الرابعة للمهرجان، ووليد بن حسن المدير المؤسس، والفنان الكبير صلاح مصدق رئيس لجنة التحكيم، ومنشط حفل الإختتام أنيس مبروكي
- التحقق:
مع ترسخ فكرة المهرجان المبتكرة، وتبلور شروطه وعلى رأسها شرط مدة الفيديو المشارك قدم المهرجان ثلاث دورات ناجحة بفضل جهود القائمين عليه، ومساندة الدولة والمجتمع المدني في سوسة، ومعه أخرين من داخل وخارج تونس تضامنوا مع الفكرة المبتكرة التي تزداد تبلورا وتطورا دورة بعد الأخرى .. جاءت المشاركات في الدورة الرابعة أكثر كثافة وتقدما في مستوى الفيديوهات التوعوية المشاركة.
- مشاركات متميزة ومقصد نبيل في الدورة الرابعة:
شهدت الدورة الرابعة للمهرجان مشاركات متميزة من حيث الكم والكيف.. حيث شاركت أعمال من 53 دولة عربية وأجنبية ضمنها تونس، وكان ملحوظا تقدم مستوى الأعمال التي توخى معظمها وضع المحتوى في قالب درامي أو وثائقي، في الوقت ذاته إستجابت الأعمال المشاركة للشعارين النبيلين الذي وضعهما المهرجان للمسابقتين الوطنية والدولية، ففي المسابقة الوطنية كان شعار المهرجان هو "استهلك تونسي" دعما للإقتصاد الوطني والسلع والمنتجات المحلية .. دعما للأيدي العاملة والمنتجات التونسية وتوفيرا للعملة الصعبة.
فيما كان شعار المهرجان بالنسبة للمسابقة الدولية هو "المواطنة" دعما لتكريس روح المواطنة لدى كل مشارك لوطنه وللأنسانية جمعاء ومن ثم بعث الأمل في غد أفضل.
عمل دؤوب ونتيجة باهرة:
بعد عمل دؤوب من لجنة التحكيم الدولية التي كلفت بمهمتها من قبل إدارة المهرجان يوم 13 أغسطس "أوت" خلال الإحتفال بعيد المرأة في تونس..والتي ترأسها الفنان الكبير "صلاح مصدق"، والمخرج الجزائري "دليل بلخودير"، والفنانة الليبية "جميلة مبروك"، والمخرج التونسي "نصر الدين رقم"، وكاتب السطور، حيث اختتمت أعمال لجنة التحكيم بعدة إجتماعات ومناقشات، وإستبعاد للأعمال المخالفة للشروط، ثم رصد النتائج الذي بدأ من يوم 29 أغسطس "أوت" ولم ينتهي إلا مع الساعات الأولى من صباح الفاتح من شهر سبتمبر يوم إعلان الجوائز .. بعد مشاورات مضنية إضطرتنا إلى ترك جزء من رصد النقاط المخصصة لتقييم الاعمال فارغا لتعديلها "بالقلم الرصاص" عند إعادة التقييم.
كان أكثر من بذل الجهد المشكور فيها الفنان الكبير والإنسان النبيل "صلاح مصدق" الذي كان رمانة الميزان بين أعضاء اللجنة والموفق بين الأراء، والذي كان معلما للجميع لترشيد إصدار الأحكام الصارمة على الأعمال وتقدير الجهد المبذول من عدد كبير من الهواة والمبتدئين ممن شاركوا تشجيعا لهم على الإستمرار في رحلتهم الإبداعية .. حيث وجدنا بالفعل صدى سعة صدره لدى الفائزين بالجوائز والمشاركين فيما بعد ..
- كما لا يمكن إغفال الجهد الشاق الذي تحملته إدارة المهرجان في التنظيم والدعم اللوجستي المتواصل، وإنتظارها الصبور لإخطارها بنتائج المسابقتين الوطنية والدولية من قبل لجنة التحكيم .. لكي تطبع الشهادات ودروع التتويجات، وتصدر شيكات بقيمة الجوائز المالية، ولك أن تتخيل مدى الجهد الشاق المبذول بعد إخطار إدارة المهرجان بالنتائج قبل ساعات من حفل الإختتام الذي تصادف أنه في يوم العطلة الأسبوعية "الأحد" .. الأمر الذي حملها مشقة ضمان عمل عدة جهات ضمنها المطبعة وصناعي الدروع الخ.
الكاتب (الثاني من اليمين) أثناء مداولات لجنة التحكيم
تطور أنشطة المهرجان وتحقق الشعارات:
من المقرر مستقبلا تطور أنشطة المهرجان من خلال الورشات التكوينية، "والسيمينارات"، والندوات الخ، وقد شهد معهد الفنون والتصميم "البوزار" بسوسة ورشة تكوينية هامة ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية "لصناعة المحتوى الإيجابي" وشهدها جمهور معتبر إمتلأت به مدرجات إحدى قاعات المعهد وفي مقدمتهم والي سوسة الذي وجه التحية للمهرجان وللسادة الحضور، وقد حاضر فيها كل من الممثل وأستاذ المسرح "محمد دغمان"، وصانع المحتوى "سفيان عمروسية" حول كيفية صناعة المحتوى الإيجابي ..
تكريم مستحق:
- حرص إدارة المهرجان على إختيار العديد من التكريمات، والتكريمات التشيجعية لشباب المشاركين ..، لكن التكريم الذي أسعد الجميع هو التكريم المستحق للفنان الكبير " عيسى حراث " في لمسة وفاء تليق بمهرجان فريد ومميز
- أما شعار المسابقة الوطنية "إستهلك تونسي" والذي يحرص المدير المؤسس للمهرجان "وليد بن حسن" على تكريسه في كل التظاهرات التي يدعمها بإعتباره من أبرز وجوه العمل التطوعي في تونس وخاصة في ولايات الساحل من خلال الإهتمام بأحياء اللباس التقليدي والذي يكون حاضرا بشكل ملحوظ في تلك التظاهرات ..، لذا حرصت إدارة المهرجان وأعضاء لجنة التحكيم على إرتداء الزي التونسي التقليدي..سواء كان تراثيا أو مما تم تطويره في العقود الأخيرة من خلال مصممي الزي التقليدي ومن أبرز هؤلاء مصمم الأزياء الموهوب "جوهر الفريقي" صاحب بيت أزياء "الخُلة" الشهير بحمام سوسة أحد مساندي المهرجان البارزين والذي ساعد الجميع " إدارة المهرجان ولجنة التحكيم " على إختيار ما يناسبهم من الزي التقليدي، وأشرف شخصيا على إرتدائهم له بصورة كاملة، ولم يغفل حتى نوعية معينة من "الجوارب" تُرتدى مع "البَلَغة" المغاربية الشهيرة والتي تعتبر من ضروريات ذلك الزي ..
كما لم يغب عن فعاليات المهرجان المنتج الغذائي والطبي البيولوجي من خلال أحد مساندي المهرجان أيضا "بيو أمين" بالقلعة الصغرى بولاية سوسة..حيث حرص صاحبه الأستاذ "أحمد بن الأزرق" على تقديم مجموعة هدايا من المنتجات التونسية التقليدية البيولوجية مثل أنواع البسيسة التونسية المختلفة المخلوطة بالمكسرات..كلها من إنتاج محاصيل الأراضي التونسية، وعسل نحل الغابة الحر، ورب التمر والخروب، وأنواع مختلفة من الزيوت الطبية لمختلف الأغراض، ومنتجات تقطير الزهور ..
- في دورته الرابعة تطور المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية فأصبح لا يدعم الأبداع والابتكار والأمل فيما هو أفضل للمشاركين ولجمهوره فقط، بل تجاوز ذلك إلي إنتشار ما يبث من أفكار إبداعية ودعوات وطنية نبيلة يستطيع كل من يشارك فيه أو يتابعه أن يطبقها في بلاده لتتجسد معاني المواطنة، والأهتمام بدعم الأوطان وصناعتها ومنتجيها ومنتجاتها.
ذلك المهرجان الذي شاركت فيه 53 دولة تمثل أكثر من ربع الكوكب، وحضره جمهور غفير كان مثاليا في سلوكه سواء كان من المواطنين أو من دول شقيقة في مقدمتها الجزائر وليبيا حيث كان حضور مواطنيهم ملحوظا .. يستحق دعما أكبر سواء من الأفراد أو من الجهات المعنية.
وفي الختام لابد من شكر مستحق لكافة مساندي المهرجان وفي مقدمتهم الأمن التونسي في ولاية سوسة والذي كان له دور كبير في نجاح المهرجان عبر تأمينه وتنظيمه دون أن يشعر أحد بأية تراتيب استثنائية.. خاصة مع الحشد الكبير في حفل إختتام المهرجان الذي أحياه الفنان "محمد الجبالي"، وفرقة مقامات بقيادة المايسترو "شكري حوالة" التي قدمت عرضها التفاعلي "أنت تغني".. مع التنشيط المميز لـ"أنيس مبروكي".
التعليقات