يبدو خالد جلال، نغمة مستقلة داخل مسرح الدولة، جزء كبير من الموهبين فى مجال التمثيل (الكوميدى)، تحديدًا فى السنوات العشرين الأخيرة، هم تلاميذ (مسرح مركز الإبداع). عندما يتحرك فنان داخل الروتين برشاقة وذكاء فهذا نوع استثنائى من الإبداع، التعامل رغم تعدد القيادات، نحو 11 وزيرًا فى تلك الحقبة الزمنية هذا ولاشك إنجاز من نوع آخر، خالد راهن على صدق المشروع الذى نبتت فكرته كومضة فى خياله، وتمكن من قراءة شفرة العديد من القيادات حتى ضمن استمرار التدفق الفنى.
كان الوزير فاروق حسنى قبل عشرين عاما، هو أول من أشار إليه ونجح فى رهانه، خالد يدرك أنه فى مهمة مقدسة لإعداد البنية التحتية للمبدعين فى الوطن، حافظ على حرية قراره وعلى السرعة فى التنفيذ، وهكذا انتصر على أول حاجز فى التعامل مع الروتين، يصعب اختراقه، وتمكن بمرونة من القفز على المعوقات التى ينثرها عادة الموظفين لعرقلة مسيرة المبدعين.
الفكرة التى صاغها أيضا خالد جلال تعتمد فى بنائها الدرامى على الوصول للحافة، دائما فى كل علاقة ثنائية بين الطرفين هناك ذروة، البناء قائم على تعدد الملابسات، كل فقرة فيه أشبه بـ( اسكيتش) ينقلنا لآخر، وفى النهاية يجمع بينهم الخوف، وغالبا ما تنتهى كل حكاية بموت أحد الأطراف باعتبارها ذروة المأساة، فى كل المواقف التى قدمها خالد ستلمح أن الموت هو الحل.
يدخلك خالد من خلال الديكور والمكياج والملابس والموسيقى والإضاءة إلى دائرة الرعب، ومنها تنتقل إلى الموت.
تتباين الشخصيات، وأيضا المستوى بين مقطع وآخر، وأعمق تنويعة هى تلك التى قدم فيها خالد زوجين طعنا فى السن، مات الزوج، إلا أن الزوجة لا تزال تعيش فى نفس الشقة وتتمدد على نفس الكنبة، وتحاور الغائب بذات الكلام وكأنه لا يزال حاضرا، غادر الحياة قبل زمن بعيد، إلا أن عقلها يرفض الاعتراف بالرحيل، وتنتعش ذاكرتها من خلال الماضى الذى كان بينهما، وتعيد فى كل مرة جزءا من الحكاية.
وتتعدد الحكايات، إلا أن الموت واحد، حتى من يبحث عن تحقيق
(التريند) من الممكن ببساطة أن يقتل أمه، أو الآخر الذى يستحوذ على ميراث أبيه ويحرم شقيقاته من حقوقهن، وفى النهاية يمسك السبحة ويذهب إلى الجامع.
تزوج وأنجب طفلا، سوف يرث كل شىء من بعده، وتشعر شقيقاته أن الحل هو فى اغتيال الطفل، لم يقدم خالد مشهد القتل على خشبة المسرح اعتمادًا على أن الجمهور سوف يدرك المعنى، لم يجهد خالد جلال نفسه كثيرًا فى البحث عن نهايات أخرى.. من الممكن أن تصبح الحياة فى بعض الأحيان هى العقاب الأشد ضراوة من الموت.
لدينا شعاع نور يبرق داخل أجهزة وزارة الثقافة، أتمنى ألا يسعى بعضهم كما تعودنا، لضرب كرسى فى (الكلوب).
عدد ضخم من الموهبين فى فريق التمثيل تألقوا على خشبة المسرح، من المستحيل لضيق المساحة كتابة أسمائهم، رغم أن خالد كعادته حرص على أن يقدمهم للجمهور، ولا يكتفى بهذا القدر، بل يوجه الدعوة أيضا لبعض خريجى المركز فى السنوات الأخيرة للمشاركة فى الحضور مع زملائهم الجدد، وكأنه يقدم لفريق العمل الجديد درسا عمليًا لعدد من الموهوبين الذين صاروا نجوما، كانوا يوما ما هنا.
التعليقات