كل فترة من حياتك يدهشك القدر بناس على مقاس قلبك وآخرين يذهبون لمدافن القلوب.
أعلم أن هذا التعبير فيه من القسوة الشديدة التي تجعلنا نتساءل هل هناك من يستحق أن يذهب لمدافن القلوب؟
للأسف يا صديقي أرى الإجابة واضحة.
أحب التفاؤل ولا أرى أي سبب يدفعني لتسجيل وتعظيم الآهات والصرخات والأنين؛ الكلمة التي تدفعك للأمام أبرك من ألف تحليل واقعي كئيب.
على مدار العمر أصبح لدينا يقين راسخ بأن الحياة لن تعطيك كل ما تحب، لكنها حتما ستعطيك كل ما تحتاج.
ربما يؤلمك دخول وخروج الأشخاص إلى قلبك، لكن سيبقى أحدهم بداخلك هو مسند القلب.
هناك دائما شخص تنتظر مكالمة منه، هناك أحد ما عندما يَعْرَق قلبك يكون صوته هو الدليل الآمن، هناك من يعود بك لنفسك، هناك شخص تدرك أنه يعرفك أكثر مما تعرف نفسك، وهناك من تعي جيدا أن وقتك مستثمر بجود جواره.
تعرق القلوب من صهد الرياء. المرائي هو شخص يفعل ليراه الناس، أما مرائِي القلوب فهم يعتبرون الحب وسيلة للوصول وليس طريقة تجود بها الحياة. هؤلاء صحبة عاجزة ستظل بجوارها تعاني.
وكما نعرف مرائِي القلوب، تَلتَحِفك الحياة بأشخاص هم مساند للقلوب. هم الظل الآمن من القيظ، رشة الماء من حولك التي ترطب الهواء وتسكت غبار أفكارك.
كلنا لدينا مساند القلوب، كلنا نعرف تلك النواصِ الآمنة، كلنا لدينا من يتصل لأنه يشعر بك عن بعد، من إذا غبت يسأل ليس ليعد عليك النِعَم ولكن ليتفقد لطف الأيام بك، من "يتوغوش" قلبه عليك كلما افتقدك.
في زماننا هذا النبل ثمنه فادح!
أن تكون نبيل يعني أنك تبذل ما يكفي لتتلقى الصحبة المريحة، لكنك لا تتلقاها ولا تستطيع أن تسلك سلوك الأنذال المريح.
بعض الخسارات هي طرقك لتجنب عرق القلب.
يؤرقني بشدة أن إحساسي بالأشخاص لا يخيب أبدا، يسبب لي نوع من الهلع الدائم بأن ما يهمس به قلبي دوما يكون صحيح.
أؤمن بأن الإنسان لا يجب أن يكون لديه متسع من الوقت ليسأل نفسه هل هو سعيد أم لا. أما أنت يا صديقي العزيز فلتسقط عنك وحل الخذلان، لا تلتفت كثيرا فإن مساند القلوب تبقيك حي مرزوق وسعيد.
ضع عينيك على مطل آمن ولا تلتفت، ابقي روحك في منطقة لطيفة تختارها بعناية، ولا يجتذبنك أحدهم خارجها فيعرق قلبك.
لا تلهث في طريق كان من الممكن أن تتخطاه لكنك اخترت ألا ترى النعم من حولك؛ ضريبة الاستيقاظ متأخرا هو أن تشاهد رحيل النعم كالرمال تتسرب من بين أصابع يديك.
قصاص الأيام كفيل لرأب صدع قلبك، وقتها أنت لست بشامت لكن يملؤك شعور بأن مرار صوابك كان خير لك من ألف انتصار.
اصطَحبَني في دنيتي أشخاص تركوا آثارهم الآمنة في قلبي، عن تلك الصحبة أتحدث، وبمثل هؤلاء يجب أن تتمسك.
يظن البعض أن امتحان الحياة يأتي ومعه ورقة الإجابة، هؤلاء هم السُزج السطحيون. البعض الآخر يدرك أن ورقة الإجابة هي أسلوب حياة يفضي إلى حسن الخاتمة وهؤلاء اتمنى أن أظل في صحبتهم.
أما أكثرنا بؤسا من لا يدرك أنه مختبر حتى فيما يَسِر له قلبه، وإني سأحاجج هؤلاء أمام الحي القيوم وادخرهم رصيدا شفيعا ليوم لقاء الله.
أحب تلك الكلمات التي اهمس بها في أذن صديقي وأقول له أنه بخير وتلك الكلمات التي تجعله يقيم وزنا لحياته ويقدرها. أحب تلك اللوحات التي ترسمها ريشتي لأحفظ بها صورة من أحب واعلقها على جدران بيتي كما هي داخل جدران قلبي. أحب هؤلاء الذين لا افتقد معهم بشاشتي، وأحب من أعرف كيف اختلف معهم كما أعرف جيدا أين أضع خطواتي في طريق عودتي إليهم.
احرص أن يكون لديك الكثير من الذكريات لتجلس يوما ما بجوار أحدهما وتشربا قهوتكما وتقولا: "ياه كانت أيام جميلة ربنا يخليك ليا".
التعليقات