أرى الدنيا حولي عبارة عن مسرح كبير، والجميع ممثلون .... كلُ إنسان يؤدي دوره ببراعة وليس فقط بإتقان .... لكل إنسان شخصية عامة يؤديها على مسرح الدنيا أمامي وأمامك وأمام الجمهور، وأخرى خاصة يحتفظ بها لنفسه ولعدد قليل من الناس اختارهم بعناية .... بعد أن تأكد من صدقهم ومحبتهم، وبأن لهم مكان في قطار حياته؛ ولذلك تكون الصدمة في هؤلاء المقربين قاتلة ... وبئس الصدمة تلك.
ومن بين كل الشخصيات حولنا تكون الأشهر هي الشخصية الدرامية، تلك الهائمة التي ما زالت تسير في الدنيا بسجيتها ولا تخجل أبدا من ظهور ما في باطن باطنها من مشاعر وأحاسيس اعتاد الغير على إخفائها بحرص وتمكن، تنفعل لأتفه سبب، وتهيج ثائرة أمام كل ما يتعارض مع أفكارها ومبادئها، لتصبح كالكتاب المفتوح، يسهل قراءة كل فصل فيه بمجرد النظر إلى عيونها في كل موقف، فتصبح تلك العيون مفتاح الحياة، وتظل الشخصية الدرامية أصدق ما في الحياة.
كانت الشخصية الدرامية نادرة الوجود في عصر سابق، عصر عاش الناس إبانه في ثوب النمطية المفرطة وهي تصنع الوقار والصلابة على القشرة الخارجية، والداخل يبقى للداخل، وفي ذلك العصر كانت الشخصيات الدرامية تُقدم في السينما وعلى المسرح بأداء مفتعل ومبالغ فيه في الصرخة، في التنهيدة، في إراقة الدمعة، في التعبير عن المشاعر المختلفة من حب وكره وغضب، فكانت شخصية لا تُرى إلا في الخيال سينما ومسرح وتليفزيون، فلا وجود لمثلها في واقع مليء بالزيف.
ولكن في عصرنا الحالي، حيث كثرة الشخصيات الدرامية امتدادا لصرخات متتالية من أجل الحرية والتقبل المطلق، حيث أصبح لا حاجة للتخفي ومجاهدة الذات على كبح حقيقتها أو ما يُظهر حقيقتها، حيث أصبحت الحقيقة مقبولة كيفما كانت.
وبعدما رأينا الشخصية الدرامية على أرض الواقع، رأينا انتقالها بحقيقتها إلى الخيال في السينما والتليفزيون وكذلك على خشبة المسرح، ظهرت بمشاعرها الحية المثارة بانفعالات منضبطة، وبوقار قريب من الاتزان، ولا حرج في القليل من لحظات التمايل والتخبط وفقدان ذلك الاتزان، لتصبح الشخصية الدرامية بحقيقتها المقدمة الشخصية الأكثر قدرة على خطف الأنظار في الواقع قبل الخيال.
التعليقات