يُحدِّد جون بول سارتر مُعطى “الكلمة” في دراسته عن ستيفن مالارميه، بأنَّها طريقةُ امتلاكُ الشيء، بُغية نقلِهِ إلى الآخر. فالكلمةُ الشِّعريَّةُ تمتلِكُ قُدرةً على الإيحاءِ، وذلك لأنَّ الإنسانَ بِفطرتِهِ توسَّلَ فنونَ الصّوت والنَّقشِ والتصوير والخِطاب، ليوصِل إلى الآخر ما يكتُبه أو يرسمه، وسوى ذلك الكثير من فُنونِ الأداء. بيدَ أنَّ مالارميه، لا يستخدِمُ اللُّغةَ لكي يُقرِّب العالمَ إليهِ، وِفقاً لسارتر، لا بل كي يُبقيه بعيداً عنهُ.
وينطلِقُ العلاَّمة الدُّكتور وجيه فانوس في كتابهِ ، “لمحاتٌ من النقدِ الأدبيِّ الجديد”، مُتبحِّراً في ذاك الحضور البهي لـ “الكلمة”، والخِطاب الأدبيِّ؛ إذ يورد، إنَّ المادةَ الفكريَّةَ في الخِطابِ الأدبيِّ المُعاصِرِ وجودٌ يُعبِّرُ عن نفسِهِ بجميع الطاقات المتوافرةِ فيه. ما يُثبتُ حضورَه وتطوّره في الزَّمن، قدرة على تشكيلِ فاعليَّاتٍ أدبيَّةٍ وفكريَّةٍ واجتماعيَّةٍ متنوِّعةٍ، ما سوف يُشكِّلُ وجوداً للجماعةِ التَّي تتعاملُ معهُ ومِن خِلالها. وبذلك يتحوَّلُ الخِطاب الأدبي، إبَّان تفاعل النَّاس معهُ، من وجودٍ حياديٍّ في حياتهم، “يتحوَّل، بفاعليَّة هذا الوجود، طاقة تُساهِمُ في تشكيلِ الكيان المفهومي للبُنيةِ الإنسانيَّةِ، والزَّمانيَّةِ، والمكانيَّةِ الَّتي يتفاعلُ معهُ مِن خِلالها”.
ينغمِسُ الدكتور فانوس من خلال تجربته المُعاصرة بانفتاحٍ، في أصالتِهِ وإنتمائِهِ العربيّ والوطنيّ ، مُشكِّلاً ذائقته الثقافيّة كفعل متناغم وبانفتاح حضاري. ههنا يجمع فانوس في شخصِهِ هذا الحركيَّة المِحوريَّة الَّتي تصبو إلى ايجاد المُشترك حضاريّاً وإنسانيّاً ومعرفيَّاً _ إنْ في حياته الفكريَّة أو مِن خِلال اهتماماتِهِ المُجتمعيَّةِ والوطنيَّةِ والمؤسَّساتيَّةِ والمُؤسَّسيَّةِ، أو في حياتِهِ الشخصيَّةِ أو الأُسريَّةِ؛ فتجدُهُ مُعاصراً لأجيالٍ مُختلفةٍ في الرُّؤَى والتوجُّهاتِ والطبائِعِ، غيرَ مُنزلقٍ في متاهاتِ القوقعةِ والتجهيلِ، وبعيداً في الوقتِ عينهِ عن أيّ تعصّب عرقيّ أو قوميّ أو اثني أو فئويّ أو مذهبيّ أو طائفيّ أو عشائريّ، أو حتَّى مناطقي.
فمَا عَرَفَتْهُ إلاَّ وَاسِعَ المَدارِك، لَا يَهَابُ، قَوِيَّ التَّفَكُّرِ وَالتَّحَرُّرِ مِنْ القُيُودِ المُعِيقَةِ، مُثَقَّفًا عروبيًا، ومؤلِفًا يَقُومُ بِدَوْرِهِ الإِيجَابِيِّ فِي البَحْثِ عنِ الحَقَائِقِ وَلَوْ مُرَّةٌ؛ فَالكِتَابَةُ وَالمَنَابِرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهُ مَسْؤُولِيَّةٌ وَطَنِيَّةٌ بِقَدْرِ مَا هِيَ فَضِيلَةٌ تَنْوِيرِيَّة.
يُورَد بِقَوْلِه: “وجد الْعَرَب أَنْفُسِهِم ، وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاس اعتزازاً بأدبهم وتراثهم فِي حَيْرَةٍ إمَام معاصرتهم الأدبيَّة.
فثمَّة دَعَوَات وَاضِحَةٌ وَصَرِيحَة، لَيْسَ إلَى تَغْيِيرِ جُمْلَةً لَا بَأْسَ بِهَا مِنْ مفاهيمهم الأدَبِيَّة الَّتِي عَاشَت عصوراً
طويلةً فِي وجدانهم القَوْمِيّ، بَلْ إلَى تَغْيِيرِ فَهْمِهِم لِمَا هُوَ شَعْرُ وَتَقْدِيرِهِم لِمَا هُوَ نَثْرٌ وَتَعْبِيرُهُم عمَّا هُو إحْسَاس
وانفعالهم بِمَا هُوَ جَمَال “.
إذ “لا يمكن للجميل أن يكون حقاً إلاَّ إذا كان كاملاً، فالكمال من الشروط الأساس المهمة لتحقق الجمال. ولذا لا يمكن النظر فيما هو جميل إلاَّ من خلال كليَّة وجودِهِ الجمالي. وكل نقصٍ في الجمال يعني تشويهاً لهذا الجمال. وكل تجزيئ في الوجود الجمالي يؤدي إلى قتل هذا الوجود” .
لقد شكَّل احتكاك الدُّكتور وَجِيهٌ فانُوس الحياتيّ والمعيشيّ والمَعرفيّ والثقافيّ والدينيّ والسياسيّ ، مجالاً لتثقيفِ ذاتِهِ عربيَّاً، فنهلَ مِن التُراثِ العربيِّ ومِن كُتبِ الأدبِ والتَّاريخِ والحضارَةِ والُّلغةِ والتفاسير وعُلومِ التربيةِ وعُلوم القُرآنِ والأحاديثِ النبويَّةِ الشريفةِ وعِلم الفِقه والتجويدِ، ومِن فِكر عصرِ النَّهضةِ العربيَّةِ الْكَثِير؛ وقيضَ لهُ التثاقُف وَهُو العَربيُّ _ مَع الغربِ، بَعْدَمَا تَسَنَّى لهُ العيشَ والدِّراسة فِي أُورُوبَّا، وتحديداً فِي إِنْكِلْتِرا مَطلع القَرْنِ العِشْرِينَ.
وَهُوَ الْآتِي مِنْ رَحِمَ الْعَرُوبَة الْأَصِيلَة، رَبِيب العُلماء المتنوِّرين، نَاصَر الْمُحَافَظَةِ عَلَى اللِّسَانِ الْعَرَبِيّ،
فتمسَّك بلُغَّتهِ كَمَا تمسَّك بهُويَّتهِ العربيَّةِ، تأكيداً عَلَى الْعَلَاقَةِ الجدليَّةِ بَيْن الهُويَّةِ العربيَّةِ وخصوصيَّتها وَدُور اللِّسان الْعَرَبِيّ والشخصيَّة الفذَّة فِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا، والتبحُّر فِيهَا والتوضُّئ بوهجِها، دُونَ خَوْفِ أَوْ وَجَلٍ. مُستعيناً بـ (Everitt: 7-24) : ” واقعُ الحال، إنَّ المُتطلِّبات المُعاصِرةِ للعيشِ الإنسانيِّ لم تعدْ تكتفِ بمجرِّد التَّلاقي العابِرِ بين ناسِها؛ بل باتت تفرضُ عليهم ضروباً مُتعدِّدةً مِن التَّعاون ومساحات أكبر من التَّأمل”.
وهي الَّتي تشكَّلت في اتقانِ الدُّكتور وجيه الَّلغةَ العربيَّةَ والِّلسان العربيِّ عبر فاعليَّةِ الحُضورِ والمُمارسةِ التثقيفيَّةِ، والَّتي سطَّرت هُويَّتَهُ الفرديَّة والجمعيَّة والأمميَّةِ، اللبنانيَّة والعربيَّة والأوروبيَّة، بكُلِّ ما يُميّز وتتميَّز بِه تلك الهُويَّة العربيَّة وما يُشكّل نقطةَ ارتكازِهَا الجوهريَّة.
بيد أنَّ الدُّكتور وجيه _ ومِن خِلال ما استمدَّهُ من العربيَّةِ_ يؤكّدُه، وبما لا يحتمل أوجهاً للتأويلِ أو الشكَّ أو حتَّى الجِدال، أنَّ مُحافظةَ الإنسان المُثقَّف، العَارِف والعَالِم المُجتهد، على الِّلسانِ العربيّ ضرورةٌ قُصوى وأساسٌ في المُحافظةِ على الهُويَّةِ، وإلاَّ اختَبر الإنسان التشظيِّ النفسيّ والوجوديّ والعمليِّ، وعاش تائهاً مُفتقداً لكينونتِهِ وحضورِهِ المُجتمعيين.
وها إنَّه يتحدَّثُ حول مسألةِ ” تثاقُف العُروبَة والغرب” في كتابِهِ “إشارات”، إذ يشرح: “إنَّ العُروبةَ، على مُستوى الدلالةِ، هي الجامِع الَّذي يربِطُ بين العَربِ على اِختلافِ أصقاعِهِم وقبائِلِهم وأنسابِهِم”. بينما “تجري الإشارةُ، عبرَ هذِهِ المَحطة، إلى “العُروبةِ” و”الغربِ”، باعتبارِ كُلِّ واحدٍ منهما يُشكِّل أحدَعناصر التثاقُف الَّذي شهدَهُ الإنسان العربيِّ في القرنِ العشرين؛ وكان هذا التثاقُف عَاملاً أساس مِن عواملِ ثقافةِ الإنسانِ العربيِّ الَّتي اِختارَها أو فُرِضت عليهِ أو رَفَضها أو تصالحَ مع واقعٍ ما لتحقيقها”.
مُستقرئاً مع ما يذهب إليه الدكتور عبد العزيز عتيق، في كتابه “في النقد الأدبي”، بقولهِ: “والعربُ أمَّةُ أخلاقٍ لم تضعفها الحضارة ولم يذهب بخشونتها النعيم والترف، لذلك يرى العربي نفسهُ خُلُقاً محضاً. ولما قضى نظام الحياة على العربِ بالمُغالبةِ، كان جانب التنافُس بالأخلاق أغلبَ فيهم على جانب المُنازعة بالعمل، لأنَّ العمل مظهر الأخلاق”.
مما لا شكَّ فيه أنَّ البُنى النقديَّةِ وتوجُّهاتِهَا المُتنوعةِ، في فِكرِ الدّكتور وجيهِ النقديِّ، تشكَّت عبر أزمنة والتجارب النقديَّة بتوجُّهاتها المُتعارضةِ أو المُتناغمة، غير أنَّه شقَّ لفكرِهِ النقديِّ مساراً خاصاً به مؤتلفاً معه، في حياتِهِ الثقافيَّةِ الأدبيَّةِ والمعرفيَّةِ؛ فتراهُ قارِئاً نَهماً، ناقِداً موضوعيّاً، ومَنهجيّاً صبوراً ، يستقرِئ النَّص أو الخطاب الأدبيَّ وموضوعاتِهِ، مُعتمداً على مبدأ “الوُجودِ الإشاريّ” فِي النَّصِ، وما ينبثق عنهُ مِن رُؤى أو مِن فضاءٍ مَا في القصيدةِ أو النَّصِ النثري.
فيَنْطَلِق فِي تَجْرِبَتُه مِنْ خِلَالِ مُعَاصَرَتِه لِزَمَن الْكِتَابَة وَالتَّأْلِيف وَالنَّشْر وَالتَّرْجَمَة،ولعصر التكنولوجيا وَتِلْك الرقميَّة مِنْهَا . وَفِي حِين تَرَاه مُعارضاً شرساً ضِدّ التَّعْلِيم التَّلْقِينِيّ الْغَائِر فِي التَّكْرَارِ وَالمَلل. اسْتَطَاع الدكتور وَجِيهٌ الِانْتِقَال بأجيال طلاَّبيَّة كَثِيرَةٍ مِنْ التعلُّم وفقاً لِمَفْهُوم قَدِيمٌ المُتمثِّل بِالتَّعْلِيم _التلقيني، إلَى الْمَفْهُومِ التحفيزي التشاركي وَالْعَمَلِيّ المُعصرن مَعَ طُلاَّبه مُنْذ ثمانينات القَرْنِ
الماضِي .
لقد تميَّز الدّكتور وجيه بسرعةِ بديهيَّتهِ وبسِعة اطلاعهِ الحضاريَّةِ والثقافيَّةِ والتربويَّةِ والذائقةِ المنهجيَّةِ، وتمكَّن من خِلال مِراسه المنهجيّ مِن دراسةِ مكامِن الجمالِ وبواطِنهِ في النَّصِ الأدبيِّ بكُلّموضوعيَّةٍ، يوضح: “فإنَّ الكلامَ، ههُنا، لن يسعى إلى تأكيدِ ما في الشِّعرِ مِن جمالٍ، ولنْ يهدِفَ إلى تَبيانِ مواطن لهذا الجمال،يُمكن أن تكونَ غابت عن بعضِ محطَّاتِ الدَّرسِ، بل سيهدف الكلام إلى اكتشافِ زوايا مُغايرة وجديدة للنَّظرِ في هذا الجمال بالذَّاتِ” .
من هُنا، يستتبعُ الدكتور فانوس القارِئ النَّص بفعاليتِهِ الاستقرائيّةِ، مُعتمداً على تفكيكِ النَّصِ لإعادةِ تركيبِهِ وانتاجِهِ معرفيّاً وثقافيَّاً، بفكر نقديٍّ مُنفتحٍ، غيرُ تدميريّ، ومُتتبعاً الفاعليَّةِ الَّتي تتجلَّى في مشهديَّة ولمحة و ومضةِ أفعالِ الخِطاب الأدبيّ.
وتسطعُ منهجيّةُ الدَّكتور وجيه المَعرفيَّةِ والنقديَّةِ والحضاريَّةِ والُّلغويَّةِ، لاكتشافِ قابليَّةِ الُّلغة في الخروجِ عن المَسَاراتِ التقليديَّةِ لتلقِّيها، عبرَ توسيعِ مُعجمها باستمرارٍ، وبما يُشكِّلُ مصدَراً لتناصٍ أدبيّ ما؛ وولوجِ الَّلغة في مساراتٍ وسياقاتٍتفاعليَّةٍ جديدةٍ من خِلال فاعليَّةِ “التلقِّي”، ومَا ينتج عَنها من شاعريَّةٍ أدبيَّة، أو ما يُعرِّفهُ الدكتور فانوس بـ “أدبويَّة النّص”.
فمن خلال السعي إلى الجمعي والإنساني ودراسة تقنيَّات الخِطاب؛ “فكلما أمعن النص الأدبي في الدخول إلى أعمال ذاتيته أو خصوصيته الفردية، كلما توصّل إلى الدخول إلى أعمال الوجود الإنساني وكان أقدر على الفِعل والتأثير في متلقيه” .
تميَّز الدّكتور وجيه بسرعةِ بديهيَّتهِ وبسِعة اطلاعهِ الحضاريَّةِ والثقافيَّةِ والتربويَّةِ والذائقةِ المنهجيَّةِ، وتمكَّن من خِلال مِراسه المنهجيّ مِن دراسةِ مكامِن الجمالِ وبواطِنهِ في النَّصِ الأدبيِّ بموضوعيَّةٍ، يوضح: “فإنَّ الكلامَ، ههُنا، لن يسعى إلى تأكيدِ ما في الشِّعرِ مِن جمالٍ، ولنْ يهدِفَ إلى تَبيانِ مواطن لهذا الجمال، يُمكن أن تكونَ غابت عن بعضِ محطَّاتِ الدَّرسِ، بل سيهدف الكلام إلى اكتشافِ زوايا مُغايرة وجديدة للنَّظرِ في هذا الجمال بالذَّاتِ”.
وبذا ، فقد عُنيَ في هذه المحطةِ بالتوقّفِ عِند بعضِ الإشكاليَّاتِ في قِراءةِ النُّصوصِ، فتراهُ ساعياً مُنطلقاً في بحثِهِ في “إشكاليَّاتِ الُّلغة الإبداعيَّة بين المُرسِل والمُستقبِل”، و”مظاهر لحركيَّة الفِكر العربيّ عبر الفاعليتين الفنيّة والاجتماعيَّةِ للنَّصِ الأدبيّ”، والـ “إشكاليَّات في الإنتاجِ المَعرفيّ والدَّلاليِّ للمُصطلحِ النَّقديّ الأدبيّ العربيّ”، إلى الغوصِ “من دلالات تحوُّلات لُّغة النَّص الرِّوائيّ على فاعليَّة الزَّمانِ المُجتمعيّ” ، هذا ناهيكَ عن دراساتٍ شتَّى تتعلَّقُ بالزَّمانِ والمكانِ الرَّوائيَين، إلى “دراسة البنايةِ الجماليَّةِ في شعرِصلاح لبكي”، على سبيل المثال لا الحصر، فـــ “الزَّمان المُجتمعيّ والنَّص الروائيّ: الزَّمان والوجود المُجتمعي”_ مفهوماً وفاعليَّةً، إلى “تقنيات السَّرد السينمائيّ في النّص الرّوائيّ بين الظاهرِ والمُصطلح (سعياً إلى تأسيسِ رؤيةٍ نقديَّةٍ للسَّردِ) ، “الشَّخصيَّة التُّراثيَّة في الوجدان البيروتي” ؛ “ثقافة الشَّخصيَّة التُّراثيَّة في الوجدان البيروتي” ؛ “بيروت وأعمال مؤرِّخيها (4) التَّوجُّهات المَوْسُوعِيَّة” ؛ وسواها، ذلك إلى جانبِ كتابته للنَّص المعرفيّ والنَّص الذي يُعنى بالقضايا الوطنيَّةِ اللبنانيَّةِ من مثل: “لعبةُ صِراع الديكة”، و”لبنانُ يحتاجُ إلى الوحدةِ الوطنيَّةِ الفاعلة، وهذه لن تكون سوى بتحقيقِ المُواطنة؛ ولتخسأ مدافع الصهيونية المعتدية”، و”الرابع من آب 2021… يوم البداية؟!”، فــ “النظامُ الطائفيّ والمذهبيّ غيرُ قادرٍ على أن يكون نظاماً وطنياً فاعلاً لصالح الشعب”؛ قراءةٌ في عدمِ تمكُّنِ الشَّعبِ في لبنانَ مِن القِيامِ بِثَوْرَة” ؛ “الإدمان على تقديم القرابين البشريَّة في العيش السياسي في لبنان” ؛ ناهيك عن مقالة بعنوان: “ثَمَنٌ لِمَهابَةِ أشخاصٍ مِن أهلِ السُّلطة العُليا في الحُكم” ؛
وهي جملةٌ من المباحثِ والآراءِ والقراءاتِ النقديّةِ والاِجتماعيَّةِ والنَّفسيَّةِ والأدبيَّةِ والُّلغويَّةِ والمقالات واللقاءاتِ الحواريَّةِ الأدبيَّةِ والاجتماعيَّةِ والسياسيَّةِ والإنسانيَّةِ _المتلفزة منها والصحفيَّة المكتوبة والإلكترونية عبر منصَّات التواصل الإجتماعي، واللصيقة بالوضع الراهن في لبنان خصوصاً، وبالعالم العربي والأُممي بشكل عام، وبالعصر.
ينماز الدكتور وَجِيهُ فَانُوسٍ المُتَرَفِّعِ عَنْ المَادَّةِ، بعبوره فكرياً وأكاديميَّاً ومُجتمعيَاً وحياتيَّاً، وثقافيَّاً خارج أسوار المَذَاهِبِ وَالطَّوَائِفِ وَالأَمْكِنَةِ، بمَنْهَجِه المُتمايزُ، الغَائِصُ فِي بُحُورِالمَعْرَفَةِ مُفَكِّرًا وَمُحَلِّلًا وَمُنَاقِشًا ومُهذِّبًا ومُقارِعًا وَمُسَانِدًا وَدَاعِمًا ومؤازِرًا نَاصِحًا.
فَـالدّكتور فَانُوس المِعْطَاءُ، يصرُف جَهْدًا فِي “إِشَارَاتِهِ” مُتبحِرًا فِي “التثاقُفِ العَرَبِيُّ مَعَ التَّغْرِيبِ فِي القَرْنِ العِشْرِينَ”، وَهُوَ لَا يَتَوَانَى عَنْ خَوْضِ “لَمْحَاتِهِ فِي النَّقْدِ الأَدَبِيُّ الجَدِيدُ”، وَلَا عَنْ دِرَاسَتِهِ لـ “حَرَكِيَّةِ الفِكْرِ الأَدَبِيِّ”، وَلتِلْكَ “المُقَارَنَاتُ بَيْنَ الآدَابِ العَالَمِيَّةَ وَ”العَرَبِيَّةَ وَالفُنُونِ، وَلِتَأْتِيَ “مُخَاطَبَاتُهُ” بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَالأَجْنَبِيَّةِ لِتُضْفِيَ نَقْدًا إبداعيًا “مِنْ الضِّفَّةِ الأُخْرَى لِلنَّقْدِ الأَدَبِيِّ”؛ إِنَّهُ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ وَصِدْقٌ: صَاحِب.
نستطيعُ في كُلِّ حالٍ، القول: أنَّ العلاَّمة وجيه فانوس فكرٌ نهضويٌّ عابرٌ لراهنيَّة الواقع، ومحدوديات الزمانكانيَّة، وتساؤلات الحاضر وأرق المُستقبل. فهو النَّابِضِ بِالحَيَاةِ وَالتَّعَقُّلِ وَالاِنْصِهَار، لطالما يُعتبر المُحرِّض الأساس على “الحُلُم” ودعم الفاعليَّةِ وصناعةِ الحِرفيَّة النقديَّة، فاهماً للفلسفةِ والأدب والفنِّ والمسرحِ والموسيقى، كما السِّياسة والاقتصاد والدين والمُجتمع؛ كَمَا أنَّهُ أرَّخ لمشروعهِ النقديٍّ مُواجِهاً ، أو بالأحرى مُقابلاً مِن خِلالهِ الإنسانيِّ في الذَّات.
ممَّا لا شكَّ فيه فإنَّ الدُّكتور فانوس يميلُ في ما يميل إليه، في توقِهِ التثاقُفي _المعرفيِّ، وما ينهضُ عليهِ من أفكارٍ ورؤى ومشاعر، إلى التثاقُفِ العربِّي بعينِ المِثال الحقّ ، لا الغيب والتوهم، ذاتُ القُدرة على الخلق والإبداع بعصرنة وتنوير.
وعليه، يُحفِّز الأذواق والقُدُرات في قراءاتِه النقديَّة المُتنوِّعة، مُتطلِّعاً إلى البُنية المُجتمعيَّة العربيَّة، في بُناها الفكريَّة، عبر صيرورتِها التاريخيَّةِ المتواصلة، مُستقرئاً من داخِل الخصوصيَّة الفاعلَة والمُتطوِّرة لحياة العربي، على اعتبارِها توكيداً حقيقياً لحركيَّةٍ فكريَّةٍ متوهِّجةٍ كشمس الضُحى، وحياتيَّةٍ تحتضنُ القُدرات وملكات التجرُبةِ الإنسانيَّةِ والحضاريَّةِ، بفضلِ ما توحيهِ الفاعليتان التوصيليَّةِ والتأثيريَّةِ للخِطاب، على ما فيهما من سحرٍ وجمالٍ عميقين، ووجودٍ قيميّ في الحياة.
الدُّكتورة الأميرة منى رسلان
أستاذةُ النَّقد الأدبيّ والمنهجيَّة ، كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة، في الجامعةِ الُّلبنانيَّة
نُشر طبقا لبروتوكول التعاون الدولي مع "آسيا ان"
التعليقات