إن الله عليم بعباده، يعطي البلاء على قدر تحمل عبده، أو يعينه على بلائه، لذلك فإذا كنت قد عاشرت فلسطينيا أم لا، يجب أن تتوقع قدرته النفسية والجسدية على التحمل، ولكن مع كل هذه القوة يصبح إنسانا قويا، أي تزداد قوته ولكن نوعه لا يتغير، يبقى إنسانا حاملا لكل صفات الإنسانية وأهمها عدم اعتياد الوجع.
لا يعتاد الإنسان منظر الدم قط، فالطبيب يعيش حياته بقلبه القوي بين الجثث والمرضى والدم، ويُمنع من إجراء عملية جراحية لأقربائه من الدرجة الأولى؛ لأنه لن يتحمل مهما حاول، فكيف نتوقع اعتياد أطفال على الدم وإن كانوا أطفال غزة، وخاصة أن ذلك الدم وتلك الأشلاء مكان بحث بالنسبة لهم، فيدخل الطفل وسط الدماء باكيا باحثا في الأشلاء عن ما يخص أمه أو أبيه أو إخوته أو أقرانه، فيجد ما يجد ويخرج مستكملا حياته في البحث عن مأوى من القصف وكسرة خبز يسد بها جوعه.
لا يعتاد الدم إلا القاتل؛ ولذلك أحل الله دمه، لأن القاتل هو من تجرد من إنسانيته فلا مكان له بين البشر.
لا تقوى كل الأنفس على تحمل الظلم وانتظار العدالة الإلهية في الآخرة؛ لذلك أحل الله الطريقين؛ طريق القصاص فقال: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون"، وطريق الصبر والاحتساب فقال: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، فهل كل أنفس الفلسطينيين من الكاظمين، ألم يرغب أحدهم في القصاص من شخص قتل والده أو هم بأخته أو قطع قدمه، وهو يراه يتراقص أمامه في فرح مستفز أقرب للشماتة؟!
فوالله إن ما تمر به كل نفس في غزة أصعب ألف مرة مما نراه ولا نتحمله، فتلك الأنفس لا تعرف الانكسار ليس لأنها غير قابلة للانكسار، ولكن لأن الموت أهون عليها من رؤية نظرة شماتة في عيون أعدائها.
فالرحمة بهم يا الله، الرحمة بهم بالخلاص، الخلاص بهم أو من دونهم. نعم؛ فالناجي منهم هو الشهيد الذي اختاره الله ليرحمه من عذابه، فإن لم يكن لعذابهم نهاية فلتكون النهاية لهم.
فإن ما كُسر في أنفسهم يحتاج لسنوات من التجبير، سنوات طوال لا تتسع كل الأعمار لها، ولن تبدأ في العد إلا بعد زوال سبب عذابهم وعذابنا من الوجود.
التعليقات