عندما نتألم فإننا نحزن، نبكي، نفقد الرغبة في الحياة أو تطمس معالمها في عيوننا. لكن هناك من رأت أنه نعمة تستوجب الشكر وعلامة حيوية هامة لا يمكن إغالها بل يجب الاحتفاء بها فهي دلالة على الحياة. في ركن غير بعيد، جلست الدكتورة نشوى صلاح استشاري الصحة النفسية لتخط كتابا بعنوان (نعمة الألم). (شكرا لك أيها الألم فلولاك ما كان هذا الكتاب) تقول في مقدمة الكتاب أنه كان السبب في النسخة الأفضل التي أصبحت عليها وهي ممتنة له لأنه علمها (القوة والحكمة والصلابة).
يقول جلال الدين الرومي (من جمال الحياة أن الله يبعث في طريقك ما يوقظك بين الحين والآخر؛ أنت الذي ظننت نفسك لوقت طويل مستيقظا). وانطلاقا من هذا المبدأ تأخذنا في رحلة تغيير لازمة فلولا الألم ما شعر أحدنا بوجود مشكلة يتوجب حلها والتخلص منها. والألم النفسي لا يقل مرارة وفداحة عن الألم الجسدي فهو تنبيه رباني أن ثمة خطأ في حياتك أو علاقتك بنفسك أو بمن حولك ويتوجب عليك التوقف لإعادة تقييمها وتعديلها. ولا تعافي دون شعور أولي بالألم. لكن قبل الحديث عن التعافي تعرفه لنا بأنه (إعادة تأهيل لروح تألمت). ونحتاج إليه لاستمرارنا في الحياة بسلام وحكمة.
وينقسم الكتاب لأربعة فصول. في الفصل الأول تتحدث عن التعافي من ألم جلد الذات. هناك أشخاص لا يكفون عن تأنيب أنفسهم ولومها وتحميلها من العتاب والمحاسبة ما لا تطيق. يعيش هؤلاء في دائرة لا تنتهي من الإحساس بالذنب والتقصير في كل شيء وعن كل شيء. هذا الشهور الدائم بجلد الذات مهين للنفس وكثيرا ما يكون منبعه من سنوات الطفولة. يكون الطفل أحيانا في حالة دائمة من محاولات إرضاء الوالدين وعندما يفشل في أن يكون على مستوى ما يرضيهما يبدأ في لوم نفسه وإقناعها بأنه لا يستحق الحب أو الاهتمام أو التقدير ويا له من شعور محبط! يؤثر جلد الذات على نجاح صاحبه مهما حاول لأن هناك خيطا خفيا يشده للأسفل مهما علا وتقدم. هل للشخص الذي يعاني من جلد الذات سمات واضحة؟ بالتأكيد، فهو فريسة للأفكار السلبية، ويفتقد إلى الثقة بالنفسوتشوش الأفكار واضطرابات النوم أحيانا.
ما السبيل للتخلص من هذا الشعور المؤلم؟ تنصح الكاتبة بتجنب القسوة مع النفس وتبني مبدأ الرحمة واليقين أنك تؤدي أفضل ما تستطيعه أنت لا ما يريده منك الآخرون. لا تندم على ما فات وحول الفشل لتجربة مفيدة تتعلم منها بدلا من اللوم والعتاب.
في الفصل الثاني تتعرض فيه لألم من نوع آخر وهو ألم القلق والأفكار السلبية. وللقلق أنواع منها الرهاب الاجتماعي ورهاب الخلاء ونوبات الهلع واضطراب قلق الانفصال والخرس الانتقائي. كل هذه الأنواع كفيلة بتدمير حياة الإنسان وشل تقدمه في الحياة. يناقش الكتاب مسبباتها وطرق التخلص منها. من التقنيات التي تساعد على التغلب على القلق هي تسمية المشكلة ووضع عنوان لها لتفهمها وتدرك أبعادها بدلا من جعل القلق مبهما لا أول له ولا آخر. (ليست المشكلة في وجود مشكلة في حد ذاتها فالبعض عندما تهب الرياح يبني جدرانا والبعض الآخر يصنع طواحين هواء للاستفادة من وجود نفس الرياح. إذن فالمهارة تكمن في كيفية التعامل مع المشكلات).
وأفردت الفصل الثالث لألم الغضب. يدمر الغضب الإنسان لأنه يدفعه لاتخاذ قرارات خاطئة ربما يندم عليها مستقبلا. بعض الأشخاص يفقدون علاقات اجتماعية بسبب غضبهم. لا يمكن أن ننكر حق الإنسان في الغضب لكن يجب تحليل سببه والعمل على التعافي منه. هناك أسباب ظاهرية وأخرى عميقة. تأخذ بيد القاريء في هذا الفصل في فهم غضبه وتعلمه تقنيات للتحكم فيه والسيطرة على انفعالاته بشكل حكيم وهاديء. (كن النحلة ولا تكن الذبابة) فالنحلة تستوقفها الزهور ورحيقها والذبابة تستوقفها القمامة التي ينفر منها الناس.
أما الفصل الأخير فهو عن التعافي من ألم التعلق. كثيرا ما تختلط المشاعر على النفوس المرهقة التي تتوق للاهتمام فتتخيل التعلق حبا وهياما ويكون هذا بداية الألم وبداية الانهيار. يقول الشاعر محمود درويش (أحب أن أقع في الحب. وحين ينتهي أدرك أنه لم يكن حبا. الحب لابد أن يعاش لا أن يتذكر). بعض العلاقات العاطفية مؤلمة وبعضها من جانب واحد يتوهم أحد أطرافه أنه هذا هو الحب فينتهي به الحال بقلب مكسور ونفس حزينة. (التعلق حالة من حالات إدمان الشعور) ومن يدرك ذلك يجنب نفسه عناء الألم. لا يكتمل هذا الفصل دون تقنيات لفك التعلق والتعافي من ألمه.
أنهي الكتاب وأنا أدرك حقا نعمة الألم. تخيل أن أحدا لا يشعر بالألم فبالتالي لن يشعر بأن ثمة خطأ أو خطر! أخذني الكتاب في جلسة نفسية هانئة لا أحكام فيها ولا ملامة. شرح مبسط وتقنيات مفصلة للتعافي. هناك حكمة ربانية من وراء كل شيء وكل ما علينا هو التعامل بهدوء ورؤية المشكلات من زوايا لم نعتدها من قبل!
التعليقات