فجأة استحوذت على الميديا أغنية (دقوا الشماسى) بعد أن صارت إعلانا لأحد المنتجعات الصيفية، كالعادة هناك من أعلن غضبه لمجرد إحياء الأغنية لأنه تذكره بالمايوه، أو سماعه صوتا آخر غير عبدالحليم حافظ، أو لأن هناك تغييرا فى اللحن الذى صاغه بعبقرية وخفة ظل منير مراد قبل 55 عامًا، عن كلمات مرسى جميل عزيز.
يقينا، منير مراد لو طلبوا منه تقديم الأغنية مجددا، المؤكد سوف يعيد أكثر من جملة موسيقية حتى ترتبط أكثر بهذا الزمن؟.
نقف الآن على مشارف أيام (أبى فوق الشجرة)، أقصد أيام الصيفية على رأى (السيدة فيروز)، أعادتنى الأغنية إلى زمن كانت تعيشه الأسرة المصرية من الطبقة المتوسطة، رحلة كل صيف، و(على القد) كانت تلك أمنية ممكنة للمصريين، العديد من الشركات، كانت تساعد موظفيها على التصييف، على شاطئ الإسكندرية أو مرسى مطروح أو بلطيم، أو رأس البر، فى الماضى القريب كانت الأسرة متوسطة الحال متاحا لها أن تحصل على نصيبها أيضا من هواء البحر النقى.
ورمال الشواطئ الناعمة، ومن مادة اليود المطهرة، الشواطئ كان أغلبها مفتوحا مجانا، ارتداء المايوه، يعد فى عرف المجتمع طقسا متعارفا عليه لا يثير تساؤل أحد، كان هذا هو الطبيعى، ينظر إليه بأنه (الشىء لزوم الشىء) والمايوه لزوم السباحة، إخضاع كل شىء للرؤية الدينية المباشرة، ظاهرة مقحمة على المجتمع، لم يكن أحد يشغله هذا السؤال الذى بات مع الأسف له الكلمة العليا فى العديد من مظاهر الحياة، بات على الفنان أن يؤكد أن ما يقدمه هو فن حلال وشرعى.
لم يفكر أحد وقتها فى (البوركينى) وهى الكلمة التى جمعت بين (البرقع) و(البكينى)، فصار لباسا متعارفا عليه فى العالم، وهناك من يبيحه وأيضا من يصادره، تستطيع أن ترصد الشارع بكل تنويعاته وأطيافه من خلال العديد من التفاصيل وبينها العلاقة مع البحر، التى وثقتها الشاشة فى عشرات الأفلام.
طبعا إجازة الصيف، تظل الآن غير متاحة للجميع، تتعدد الأسباب التى تحول دون الاستمتاع بها، بينما المتاح هو ثمن تذكرة السينما، وهكذا حققت الشاشة أيضا للإنسان تلك الأحلام بقروش زهيدة فى الخمسينيات والستينيات، كانت تبدو رحلة قليلة التكلفة نسبيا فما لا يدرك كله لا يترك كله، فإذا لم تستطع أن تعيش واقعيا فى البحر، فلا بأس من شريط سينمائى يحقق لك شيئا من المتعة الافتراضية، أغلب أفلامنا القديمة اختارت الشاطئ الأشهر الإسكندرية، مع الزمن بدأنا نرى أيضا فى الأفلام شواطئ أخرى مثل مرسى علم والساحل الشمالى وطابا والغردقة وغيرها.
الأفلام فى الماضى لم تكن تحمل أدنى مشكلة، عندما ترتدى البطلة المايوه، شادية وهند رستم وماجدة الصباحى، ونادية لطفى وسعاد حسنى وسهير رمزى ونادية الجندى ونبيلة عبيد وميرفت أمين ويسرا وليلى علوى وإلهام شاهين وغيرهن، فاتن حمامة رفضت أن ترتدى المايوه واستبدلته فى مشاهد البحر بشورت، وفانلة بدون كاب، فى فيلم (أشكى لمين)، فاتن الاستثناء بينما وجدنا الجيل الجديد، الاستثناء هو ارتداء المايوه.
نجمات الجيل رفعن شعار اللاءات الثلاث (للمايوه والجنس والعرى)، بعضهن ينزلن البحر بالملابس الكاملة، بعد أن باتت مثل هذه المشاهد مستهجنة، هناك قطاع من المجتمع قرر أن يلعب دور الحسيب والرقيب، على باقى أفراد المجتمع، مما أثر قطعا بالسلب على الأعمال الفنية، وأصبحت أغلب النجمات منعا للقيل والقال ولإراحة الدماغ يرفضن المايوه على الشاشة، حتى لو كانت فى حياتها الشخصية ترتديه، تلك الحكايات أعادتنى إليها (دقوا الشماسى)!!.
الصيف والبحر والضحك وأيضا الغدر والخيانة كلها من الممكن أن تعثر عليها فى أمواج الشاطئ عندما تنساب على شريط سينمائى!.
التعليقات