في روح كل منا أزمات وانكسارات، نجاحات واخفاقات، مواقف دامية وأخرى ضاحكة، كلمات مبشرة وأخرى منفرة صنعت منه الشخص الذي أصبح عليه اليوم.

كل منا سار على الطريق الذي ارتضاه، كل منا نال منه كفاحه ما نال وكل منا اعتصرته دنياه حتى كاد يختنق. ثم يأتي أحدهم ويهبط عليك بأجنحهٍ ثقال، جناح من شفتين يظلم بكلماته النور الذي يتسرب من عينيك.

أعرف أناس يتحدثون عن كل ما يحلو لهم، كلمة التحفظ مختفية من قاموسهم، يتناسى وهو يحادثك أنك بشر تشعر وتتألم.

البعض يقرأ ما بين السطور، البعض يشعر خلف الأبواب، البعض يصله موجات تصاحب صوتك وانفعلاتك، والبعض يستقرأ كلماتك التي لا ترغب في أن تنطقها.

البعض يتألم من حديث ظللت تردده سنوات، والبعض يتغاضى ويتغافل ويتغابى كي لا يتألم.

لا تختبروا قلوب صبرت عمرا بأكمله، إن قلوب الناس يا صديقي ليست مكبًا للنفايات …

بعض الكلمات تعانق الروح والبعض الآخر تخنقها. المؤسف أن الكثير منا يعتقد أن حقك في حياتك لابد أن بمر بحقه هو أولا.

من فترة طويلة وقبل أن أربي العصافير والبباغاوات في بيتي، قرأت كثيرا عنهم، دخلت في معظم صفحات تربية الطيور في مصر والوطن العربي، كنت أقرأ المشكلات وأتابع الحلول في التعليقات. تعلمت الكثير والكثير قبل أن أشرع في التربية.

وقد كان لدي زوج من الببغاوات يسمى كوكتيل، هذا النوع في غاية الذكاء واجتماعي لأقصى درجة ومحب للأسرة وتربية الفروخ.

في أحد الصباحات لاحظت أن الأم غابت لعدة أيام لا تخرج من البيّاضة، فتحت عليها فنقرتني، ظللت أفتح البياضة عليها كل يوم لأطمئن عليها وعلى بيضها، فما هي إلا بضع أيام قليلة وكانت قد أكلت البيض وغادرت العش.

عند كل الكائنات الحية هناك مساحة آمنة يحتاجها لكي يمارس حياته بهدوء، كل الكائنات يزعجها بشدة تصرفك ولا تهتم البته بصدق نواياك.

في النهاية ترك الطير العش وفقدت فرحتي بعش جديد وفروخ كانت في الانتظار. لم يلاحظ الطير صدق نيتي، لكن آلامه تصرفي فغضب وترك كل شيء.

هذا ما تفعله بالضبط كلماتنا وسلوكنا تجاه بعضنا البعض، تترك لنا أعشاش فارغة لا حياة فيها.

والله إني لأعرف قلوب جرفتها كلمات وسلوكيات البعض حتى صارت فارغة كالأواني تسمع ضجيجها كلما تحركت.

لا عزاء لمن كانت ألسنتهم سهام تخترق القلوب، لا تحدثني عن نيتك الطيبة تجاهي إذا كانت كلماتك طوال الوقت تدمي القلوب!

من أجل ذلك يغادر البعض، من أجل ذلك يفارق البعض، ومن أجل ذلك أيضا الجريح أحيانا ينتقم.

في كثير من الأحيان تجد أنك قادر على تحمل العواصف العاتية، تحمل الجبال ولا تأبه تتلقى الطعنات ولا تؤلمك، ثم يأتي حجر واحد لعين يطرحك أرضا فتصبح كأنك قشة في مهب الريح.

تجلس في البرد لأشهر وربما لسنوات، ثم تأتيك نسمة باردة واحدة وأنت متخفف من ملابسك تجعلك طريح القلب لأيام وربما سنوات.

الطعنات الغادرة كثيرة وفي أغلب الأحيان تشحذ لها همتك وتتلقاها وتتعافى بأسرع مما كنت تتصور.

أتعرف يا صديقي ما هو الذي لا يمكنك أن تتعافى منه أبدا؟ إنه الخذلان المستمر الصغير.

‏أرواحنا تجثو داخل صدورنا دون أن نراها، لا تعطينا إشارة ما لننتبه لتقويتها، تلك التراكمات الصغيرة هي فقط ما يُسَجِد القلوب.

في القديم كانت تستخدم البالطة لقطع الأشجار ضربة فالثانية فالثالثة فتسقط الشجرة لتلتهما ماكينة ما.

أما اليوم تُستخدم المناشير الكهربائية التي تقضي على القلوب في أسرع وقت وبأقل جهد، كذلك يفعل البعض بكلماته ولذلك تغادر الكثير من البذور إلى غير موطنها حتى يتسنى لها أن تنمو دون غدر بعض الكلمات.

العالم احتفل منذ يومين بعيد الحب، حدثني بعد ما قرأت ورأيت وشاهدت من فترة طويلة عن أي حب يتحدثون؟

‏ سلام بحجم السماوات والأرض على كل من جبر القلوب، سلام من الله على كل هين لين، سلام على من كان قلبه هاديا طيبا، سلام على من انتقى من الكلمات ألطفها ومن تلطف عند الوجع ولم يضغط على القلوب المثقلة.

أعلم يقينا أني أتحدث بلغة في طريقها للإندثار ولكني لا أعرف لغة غيرها بالحب سأحيا وعلى المحبة أحب أن أموت.