عليك من اليوم أن تخطط لحياتك بعد سن المعاش، لأن فترة التقاعد قد تطول لتصل إلى ربع أو ربما ثلث مجموع سنوات الحياة، لأن التقدم فى صناعة الدواء وتقنيات العلاج، تشير إلى أن الأجيال الحالية سوف تتمتع بأعمار مديدة إن شاء الله، ولذلك يجب التفكير فى الاستمتاع بهذه المرحلة من العمر، وربما تبحث عن عمل يناسبك فى ذلك الوقت غير الضائع، ليس بالضرورة أن يدر عائدا ماديا وإنما يكون المقابل شعورا بالراحة وإشباع رغبة العطاء وتقديم خلاصة خبرتك وتجربتك فى الحياة لمن يحتاجها .
إن أعظم ثروة لا تزال تحت الأرض ولكنها ليست النفط أو المعادن النفيسة ولا حتى الكنوز الذهبية وإنما الأدمغة التى وافتها المنية قبل أن تعطى كل ما لديها للناس! لذلك فكر جيدا فيما لديك وكيف يمكن أن تعطيه للعالم قبل فوات الأوان.
هناك تصورات عديدة لنوع العمل أو المجال الذى يشغل به المرء نفسه خلال فترة التقاعد، بعض الذين كانت لديهم روابط شديدة بأعمالهم يحاولون البحث عن عمل يشبه وظيفتهم ، ليقوموا به بعد التقاعد، فإن لم يتيسر فيمكن التفكير فى مجال جديد.
لعل التخلص من الدافع للانعزال والتقوقع وطلب مساعدة الآخرين، الخطوة الأولى نحو بداية حياة جديدة. أما الخطوة الثانية فهى يقينك بأنك تملك - بلغة التسويق- مزايا تنافسية مؤثرة للغاية تتمثل فى خبرات فنية وشخصية متراكمة وقدرة فائقة على التفكير المتوازن الهادئ الخالى من الضغوط أو الخوف من خسائر مادية ومعنوية، ربما لم يعد لديك بعد هذه الرحلة شيء تخسره ولكن بالتأكيد لديك الكثير، الذى يمكن أن تكسبه. ومن هنا يصبح التخطيط لأنشطة جديدة تثرى حياتك أمرا قابلا للتنفيذ، فيمكنك أن تستثمر خبراتك الثرية السابقة فى تأسيس مشروع خاص ومن ثم تستفيد من شبكة العلاقات التى بنيتها على مدار أعوام طويلة من العمل فى تأسيس مشروعك. كما يمكنك تعلم مهارة أو هواية مناسبة بصبر ومحاولة الاستمتاع بها فى ربيع العمر.
ويمكن الاتجاه إلى العمل التطوعى وهناك العديد من المجالات التى قد تضيف فيها مثل محو الأمية، تعليم الصغار، وتدريب الشباب وتقديم خبرتك للأجيال الجديدة فى مجال مهنتك، وتقديم الدعم للجمعيات الخيرية لإقناع الناس بالتبرع والصدقات والتفاعل الايجابى مع أى نشاط يخدم المجتمع.
وهناك من يرى أن تلك المرحلة هى الوقت المناسب لكى تكافئ نفسك، وتستمتع بحياتك، وأن تلتفت إلى الجمال من حولك بعد أن صرفتك عنه مشاغل الحياة! ، فابحث عن هدف يكسر روتين حياتك، ويشعل الهمة فى ذاتك. آخرون قرروا أن يبدأوا حياة جديدة مع خالقهم، بمزيد من الطاعة والعبادة والتقرب إلى الله واكتشاف حقائق روحانية طمستها مادية الحياة التى عاشوها فى السابق.
وفى جميع الأحوال، هناك عدة أمور ينبغى ادراكها بعناية وفى هذه المرحلة، أولها أن الإحساس بالشيخوخة حالة ذهنية، قد تصيب الكبير والصغير على حد سواء؛ فهى شعور داخلى كالشعور بالثقة أو الإحساس بالخوف من المجهول، فلا تقلق وضع الأمور فى نصابها. ثانيا إن الشعور بالطمأنينة والوصول للإحساس الصادق بالأمان لن يتحقق إلا بالاستقلالية الكاملة، الاستقلالية الفكرية بأن تكون قادرا على اتخاذ قراراتك، والاستقلالية المعنوية بأن تكون مدفوعا للإنجاز من ذاتك لتدعيم مكانتك الاجتماعية بالعطاء ودون انتظار المقابل، والمبادرة بالتعاون، وتقديم العون لمن يحتاج إليه، وأخيرا الاستقلالية المادية لتستعين بها على متطلبات تلك المرحلة وتستغنى بها عن العوز. ثالثا: الابتعاد تماماً عن العادات الضارة بالصحّة مثل تعاطى المواد الضارة أو التدخين، وتناول الأطعمة غير الصحية. رابعا: ضرورة ممارسة الرياضة وأبسطها المشى المنتظم.
لعل أول ينابيع السعادة إذا ما تقدم بنا العمر، هو إيماننا وعملنا لدنيانا وآخرتنا، مستنيرين بخبراتنا ومعارفنا التى نقوى بها على مواصلة الحياة. لن يصنع السعادة الانشغال بثقافة الموت، فلا تجهد ذهنك كثيرا فى فلسفة الحياة لأن معنى الحياة هو أن تجعل لها معنى، واستبعد الكليشيهات المعروفة مثل(مضى قطار العمر) لأن قطار العمر لا يزال على الرصيف فى انتظارك ما دمت تضع نصب عينيك المقولة الخالدة: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»!
التعليقات