دائما ما نتحدث عن مواطن الألم والقلق، دائما ما يؤرقنا الفقد والعزلة والنقصان، ودائما ما نتذكر تلك الأيام التي أبكتنا.
نتناسى بغير دراية منا وطن القوة الذي يعيش في أرواحنا.
صديقي هل سألت نفسك مؤخرا ما الذي مر عليك ليجعلك بهذه القوة؟؟
إن قدرتك على إدراك مواطن القوة بداخلك تتوقف كلية على مواجهتك لنقاط ضعفك وجها لوجه.
السلسلة المتينة لا تحتوي على حلقات ضعيفة، كذلك البأس الذي يسكنك.
الحياة ممتعة فقط عندما تكون أكبر الآلام التي مررت بها هي مصدر قوتك وبأس قلبك.
عندما كنت صغيرة في المدرسة كان لأبي رحمه الله أرض في محافظة البحيرة مزروعة نخيل بلح وأشجار جوافة. تلك الجنة لازالت أشجارها ترفرف داخل قلبي. صوت حفيف النخيل وأوراق الجوافة الخشنة لا يزال يطرب أذنيّ، ولا يزال طعم الجوافة السكرية والبلح الشهد يحلي فمي.
كان أبي يصطحبنا كل أسبوع إلى هناك، بمجرد دخولنا إلى الأرض كنت أجري على رمالها الناعمة البيضاء أجول تحت الثمار وأوراق الأشجار حتى أتوارى عن الأنظار، أذهب لأبعد الحدود حتى تختفي أصوات كل الموجودين. أمدد جسدي تحت الأشجار وانظر لبديع السماوات من فوقي.
لطالما سألت نفسي كثيرا وقتها رغم حداثة سني كيف ستكون حياتي؟ من سيشاركني إياها؟ ماذا أحب أن أصير؟ هل سيكون لي أبناء؟ كيف أربيهم؟ ومن هو أبيهم؟ هل سيحبني وأحبه؟ أين سأعيش؟ وكيف أكون بالقوة اللازمة لأحمل كل ذلك وما زال قلبي الصغير ينمو ويتطور؟
ثم كبرت وتزوجت حديثة السن وأنجبت أبنائي وبدأت رحلة الحياة.
كما كانت أحلامك و تساؤلاتك وأنت صغير السن سيظل لديك نفس الأحلام والتساؤلات في كل مراحل حياتك.
كل ما تحتاجه أن تعمل على أن يكون قلبك سليم وعقلك واع راجح ثم تتبعهما.
لا تظن أبدا أن كل شيء سيمر عليك بيسر وسهولة. أفضل الطعام هو ما سويته على نار هادئة، كذلك أقوى الأشجار هي ما نبتت من خلال الصخور.
يقول الفيلسوف اليوناني "سقراط": "إعرف نفسك بنفسك".
فهل سألت نفسك يوما من أنت؟ هل تخاف السقوط؟ هل تظن أنك ستفشل؟ هل تخشى المرض؟ هل تتصور أنك ستتجاوز الفقد؟ وماذا عن أحلامك في نفسك، هل تعمل على تحقيقها بخطة طويلة وقصيرة الأجل أم إنك جالس على كرسي الأنساسير يرفعك أحدهم ويهبط بك آخر في أدوار الحياة؟
عندما تتحدث إلى نفسك كيف ترَاك؟
ستكون هناك أيام يتوجب عليك أن تغالب نفسك وتتحرك ببطء وأيام أخرى ستشعر إنك تزحف على بطنك، لكن لكي تعاود حركتك ونشاطك بعد العسر عليك أن تأخذ قرار بأنك لن تتوقف أبدا.
المآسي هي مصدر قوتنا، لن تعرف أبدا إلى أي مدى أنت قوي لو لم تتعرض لاختبار. نحن نكتسب القوة بمعاودة النهوض والبدء من جديد والأقوياء غالبا هم من يصلون إلى النهاية.
يقول العلّامة باولو كويلو: There is only one thing that makes a dream impossible to achieve
the fear of failure
دعني أقولها لك بلغتنا الحبيبة، هناك شيء واحد يجعل تحقيق الحلم مستحيلا، ألا وهو الخوف من الفشل.
أزيد على تلك المقولة العبقرية أنني أعتبر الفشل أول خطوات النجاح، ثم أزيدك من الشعر بيتين، إنني أؤمن أن دوام النجاح لن يأتي إلا بعد بضع محاولات مضنية من التعثر، على أن يكون نهوضك في كل مرة "نهوض مُعَافِر".
الحياة يا سيدي لا تعطي مستريح، عليك أن تجتهد ويصيبك الإعياء لتضع لك إسما يبقى في لوحة الشرف بعد مماتك.
هل أدلك كيف تبقى حيّا للأبد؟ ضع ثقتك في من تحب، اِهمس في أذنه أنك تراه يستطيع، حدثه عن صورته التي تراه عليها في المستقبل، آمن بمن تحب وهو سوف يؤمن بالتبعية بقدراته، كن اليد التي تلتقطه إذا تعثر والكتف التي تحمله إذا غالبه السقوط.
إن فعل المحياة الذي تبثه في قلب أحبابك لا يضيع أبدا يبقى داخل النفوس، يمارسه من خلفك أجيال وأجيال تعلموا كيف حال الضعف ومتى تأتي القوة وبأي طريقة تستمر.
في أحد المرات بعد أن تكون تعثرت وتعلمت ستقف ناظرا خلفك لتجد لك تاريخ مشرف تفتخر به.
وقتها يهون عليك التعب والألم، تراه وكأنه كان خفيفا وتبتسم ابتسامة صامتة تعرف وحدك معناها. هنالك سَتُسمعك روحك كل عبارات المجد التي افتقدتها.
عش حياتك القادمة بروح المُعَافِر بل المقاتل، ولأن الجهاد شرف فكل ساعة تقضيها في البناء تكون فيها في ذمة الله.
لا تلتفت لما يعتقده الآخرون عن شخصك، ما يعنيني هو ما تعتقده أنت عن نفسك. خلف كل الأبواب المغلقة تختفي يد قادرة على فتح أحدهم، إنها يد الله!
كل ما عليك أن تريه سبحانه وتعالى كيف أصبحت بهذه القوة وبكل هذا الجمال.
التعليقات