جِئتُ إليك يا بحر، أرتدي حروفي كزينة تفاصيلك. جئت إليك محملة بالكثير من الحكايات ، احكيها وكلي شغف . انظر إليك لتأخذني موجاتك ..فتتسلل داخلي كل أحاسيس المنه والابتهاج ..
ولكنك اليوم اختلفت .. فلست أنت بحري الذي كلما زهدت الدنيا استقبلتني لتعيد لي طمأنينة قلبي ..
اجلس أمامك في مكاني نفسه. وكلما نطقت بأحرف الحديث، وجدتك صامتاً كالليل العميق. صار بوحك مالحاً، يتسلل إلى سمعي كمائك اللا متناهي يروي قصصًا لا تنتهي. وكلماتك، كزبد البحر، تتلاشى في فضاء الحروف كأمواج لا تندثر.
أيّ بحر هذا الذي فقد صوته، وأيّ غمرة حملت دموعك؟!
وقفتُ أمامك حائرة، لا أدري ما أقول، ولا أدري ما أسأل.
هل أسألك عن سرّك الخفي؟
أم أسألك عن سبب حزنك؟
أم أسألك عن سبب صمتك؟
ماذا دهاك يا بحر؟! هل هي أسرارك العميقة التي تختزنها أعماقك، أم هي حكايا الأمواج التي تهمس بها إلى الشاطئ؟! عهدتك الغموض والجمال، تحمل في أعماقك لغةً لا يفهمها إلا البحّارة الذين يغامرون بالغوص في عوالمك. ولكنك اليوم مختلف ..
ما أبكاك يا بحر؟! هل هي دموع المراقبة على أسرار الزمن، أم هي حنينك لرفقائك السفن والمراكب التي انطلقت في رحلاتها؟! قد تكون دموعك تحية للماضي ورثاء للحاضر.
وما أضناك يا بحر؟! هل هي أضناء الصمت الذي يحكي عن وجع عظمتك، أم هي ثقل أحلام الملاحين الذين يتوسلونك الأمان في كل رحيل؟!
لماذا اليوم يا بحر، قررت أن تسحب كل الستائر، أن تتحول إلى سكون، حتى وإن اجتاحتك العواصف، وحتى وإن حركتك سفن وبواخر. هل هي لحظة تحتاج فيها للتأمل والسكون؟ أم أن هناك رسالة تريد أن تخبرنا بها، ولا نزال لا نفهمها؟!
صمتتُ طويلاً، وأنا أتأملك، أنظر إلى عمقك، وأستمع إلى صوت موجك، الذي كان يخفق في صدري، كقلبٍ حزين.
إذن فلنتبادل اليوم الأدوار. ولتبوح لي بحكاياتك وأسرارك، فأنا قد جئتك اليوم وفيَّه، وفي كامل الاستعداد والتأهب لسماع صوتك حتى وإن كان همسًا خفيفًا في ليلك العميق. ولكنك للأسف ما زلت صامتا.. هل اتركك اليوم ..لأعاود لتعود يا بحر....
لا ..لن اتركك ..سأتحدث وأتحدث لعلى أكسر صمتك وليكن ما يكون.. وحكيت وأخبرت ورويت بكل ما في قلبي، تكلمت بكل ما يجول في وجداني . أخبرتك عن كل ما يدور في خاطري. ولكنك ما زلت صامتًا ..تسمعني في سكون. ولكني استمررت ولم أكن أو أهدأ..
كنت أشعر بك تخطف كل الضعف بداخلي، وتبث في القوة رويدًا رويدًا ... لتهمس لي أخيرًا، وبعد طول انتظار. أنا معك ومعك قوتك .تغمرك الحقيقة وما تبحثين .. فلتعودي آمنة مطمئنة تتحدين الدنيا ...وتذكري أن كل ما تبحثي عنه لا أملكه، ولكنك أنت من ملكته.. أمواجي ليست كأمواجك .. فلا تحزني لصمتي ... ولتعودي كيفما أردت وقتما رغبت .. فما زلت أنا البحر القوي الجميل، الغامض العميق..
التعليقات