تجئ قصيدة "فلسطين عربية" كرؤية شعرية يقدمها الشاعر أحمد سويلم لأطفال المرحلة المتوسطة في كتابٍ ملوِّنٍ أنيق الشكل، صدر عن دار نهضة مصر بالقاهرة، ويحتوي على قصيدة واحدة طويلة يرافقها رسوم ملوَّنة ومعبِّرة للفنان التشكيلي عبد العال.
والقصيدة عبارة عن رسائل شعرية قصيرة ومتتابعة ولا يوجد فاصل بينها، يوجهها مجموعة من الأطفال الواعين لزملائهم وأصدقائهم في المدرسة، وللفلسطينيين أصحاب الحق الساطع، ولعقلاء العالم كي يفيقوا من غفوتهم ويقفوا في وجه الباطل، ثم رسالة إلى اليهود أنفسهم، يقول فيها الأطفال:
هذا تاريخُ الأمَّة منقوشٌ بالمجد يا أعداءَ الإنسان لو كنتمْ شعبَ اللهِ المختارَ فمن نحنُ؟
كُفُّوا هذا الكذب أفيقوا من غفوتِكم لن تجدوا فينا إلا عزمَ الأحرار راياتُ الباطلِ فوق معابدكم تقطرُ بدماءِ الشهداء تبرأُ منكم نَجْمةُ داود وموسى في توراتِهِ لن نُغمضَ يومًا جفنا لن نتردَّدَ عن خطوةِ حقٍّ حتى لو كانت بدماء.
وأيضا هناك رسالة يوجهها الأطفال إلى الله سبحانه وتعالى ضمن سياق القصيدة، يقولون فيها:
باركْ ياربِّ خُطانا من أجلِ أشقاء عانُوا قصفَ الأعداء.
وهكذا تتكامل أطراف المُرْسِل والمُرْسَل إليه، أو أطراف الصراع (العربي ـ الإسرائيلي) الأمر الذي يدل دلالة قوية على تفهم هؤلاء الصغار لأبعاد القضية الفلسطينية، وهي مضمون كل الرسائل التي يحملها أو يبعث بها الأطفال في قالب شعري اعتمد على الشكل التفعيلي ذي القافية المتنوعة بما يناسب سن الطفولة التي يكتب لها الشاعر، ومما يُحسب لهذه الرؤية الشعرية أنه من الممكن مسرحتها، أو أدائها على خشبة المسرح المدرسي ـ أو غيره ـ في احتفالية فلسطينية لتصل إلى عدد أكبر من المتفرجين أو الأطفال مشاهدي العرض سواء على خشبة المسرح، أو بعد التصوير الحي، عبر الوسائط المختلفة.
أما الرسالة الشعرية الموجهة إلى عقلاء العالم فيقول فيها الشاعر على لسان الأطفال:
يا عقلاء العالم أفيقوا من غفوتِكم وقِفُوا في وجْهِ الباطل كيف رضيتم بضلالِ الفكر وناصرتم هذا الشر الصورةُ واضحةٌ وقويَّة تملأ أعينَكم وضمائرَكم كيف غفلتمْ عنها من أجلِ الطمعِ الإنساني إفيقوا يا عقلاء العالم!
وهكذا يصوغ الشاعر معاني كبيرة، وقضايا كثيرة متشابكة، في سهولة ويسر، وفي كلمات واضحة مبينة لا لبس فيها ولا غموض، يفهمها ويتفاعل معها الطفل القارئ ـ أو المشاهد ـ فينحاز على الفور إلى عدالة القضية الفلسطينية، ويؤمن بها، ويدافع عنها، وهذا هو أهم مكسب يخرج بها الطفل العربي من خلال الرؤية الشعرية التي يطرحها الشاعر أحمد سويلم، صاحب الأعمال الشعرية الكثيرة للأطفال.
لقد بدأ أحمد سويلم مسيرته في الكتابة للأطفال بتبسيط قصص من ألف ليلة وليلة، وكانت لغة التبسيط نثرية. ثم كتب أوَّل مسرحية شعرية باللغة الفصحى عام 1982 عن كامل كيلاني ـ في ذكراه ـ وكانت بعنوان "حكايات وأغاني كامل الكيلاني" واحتوى العمل على رؤية تسجيلية درامية، قدَّم خلالها ثلاث قصص: واحدة من حكايات جحا، وواحدة من ألف ليلة وليلة، وثالثة من التراث الفلسفي هي: حي بن يقظان. ثم وجد أمامه الآفاق مفتوحة للكتابة للطفل، فبدأ محاولات شعرية قصيرة، بعضها قصائد، وبعضها أقاصيص شعرية على أفواه الحيوانات، وبعضها مسرحيات شعرية.
إن أحمد سويلم لم يكتفِ بالكتابة إلى الأطفال، فحسب، ولكن لجأ أيضا إلى البحث والدراسة في عالمهم أو عن عالمهم، وكيف ينظر الشعراء إليهم، فكان كتابه المهم "أطفالنا في عيون الشعراء" الذي يرى الناقد الراحل د. أنس داود أنه "يعدُّ حتى الآن أتمَّ محاولة في الرصد التاريخي لشعر الأطفال، فهو حافلٌ بالنماذج التراثية والمعاصرة، وحافلٌ أيضا بأسماء كثيرين من الذين يشغلهم شعر الأطفال في العالم العربي، كما أنه يفتح الطريق إلى كثير من المصادر والمراجع في الإبداع الشعري للطفل، وفي دراسة هذا الإبداع أيضا".
وها هو أحمد سويلم يواكب تطورات القضية الفلسطينية، ويقدم خلاصتها المركزة والمصفاة، للأطفال من خلال هذا البناء الفني المتكامل "فلسطين عربية".
التعليقات