استيقظت هذا الصباح أريد أن أبدل كل شيء من حولي، أريد أن أرى أشياء مختلفة، أريد أن أنام في أماكن مختلفة، أريد أن أكون أحد آخر لا أعرفه بعد، أريد أن أسبر أغوار جديدة، أريد أنواع أخرى من السعادات وأنواع مختلفة من التحديات.
أريد سلام من نوع مختلف، سلام لم أعد أراه على الأرض، سلام من يسبح في تحدياته الخاصة تاركا إثم ما دون ذلك.
أريد أن أتنفس هواء مختلف مغاير تماما للهواء الذي يسبب لي البُهر الذي ضج به صدري.
من مظاهر كرمك مع نفسك أن تضعها على مطل آمن لتتنفس، أن تبحث عن هواء متجدد ولو كان من خلال ثقب صغير.
دخلت هذا الصباح إلى الشرفة حيث تسكن طيوري العزيزة، تلقوني بالترحاب والتغريد وكأن ملك مر عليهم، لقد صنعت تغريداتهم البهية نوع خاص من السعادة والأمل وأشرعة من الوفاء غيرت الكثير والكثير من نظرتي لهذا الصباح.
لو كانت الطيور قادرة على بث الحب والمودة والعرفان … فلابد أننا نستطيع.
اختزال دنياك في النظر لمعوقات فرضت عليك لن يفضي بك إلى مكان أكثر أمنًا أو سعادة.
رغم كل التحديات التي نغرق فيها حتى رؤوسنا، فإن إصرارك على انتظار شيء جميل سيحدث هو ذاك التنفس النظيف الذي تحتاجه رئتيك لتعيش، هو الأمل الذي يبقيك سعيد إلى النهاية، وهو قدرتك الوحيدة على مواصلة السعي برضا وحب وجمال.
في طريق عودتي بالقطار هذا الأسبوع، كنت أجلس بجوار النافذة لأستمتع بصور الطريق واستبصر الحكم من مشاهد الحياة من حولي.
ونعم يبدو أني شخص أحب السفر والترحال، وأحب التنقل وأرى فيه الكثير من جدية السعي وجمال التجارب.
على يمين القطار كانت جميع المزلقانات مغلقة، تراص الجميع في انتظار أن يمر القطار، لا أحد يجرؤ أن يمر، الكل متوقف بأدب ودأب وتؤدة.
إذا مر القطار يجب أن تكون جميع المزلقانات مغلقة!
تلك هي القاعدة التي لا يمكن تغييرها، ولكن يا صديقي هل كلنا نفعل؟!
إن أكثر الناس لا تطيق انتظار المزلقان أن ينفتح، منا من يمر سريعًا مجازفًا بعدد سنوات عمره على الأرض، ومنا من يتململ ويتأفف في تلك اللحظات حتى يمر القطار وقد يأتي بفكرة مجنونة، ومنا يبقى في حالة الاستعداد القصوى للانطلاق حارقًا أعصابه وبنزين سيارته في دقائق كان لابد له من الانتظار بهدوء.
صديقي … توقف بهدوء وأدب حتى يمر القطار!
إن أفضل ما يمكنك أن تقدمه لروحك هو أن ترحمها، أن تمهلها كل الدقائق اللازمة لتلتقط أنفاسها، أن تهيئ لها أوقات السكون ولحظات التوقف التي تطيل من خلالها جودة التواجد وحسن الجوار وأدب المعيشة.
لا شيء يغزو أعمارنا ويطيل البقاء، لا شيء البتة يفعل!
كل الأوجاع تنتهي، كل السعادات تتبدل، كل الأيام العسيرة تتحول بفضل الله لذكرى، كل الظلام يتبدد، كل الآهات المدفونة يسمعها الرحيم ويجوِّدها بيده الكريمة، كل شيء يتغير وكل ما عليك أن تتوقف بأدب حتى يمر القطار!
أريد منك أن تسترجع الأحداث الجلية التي مرت عليك، هل تتذكر فعلا الوحشة التي صاحبتها؟ هل تستطيع أن تعيد الشعور بالألم أم فقط تشعر بذكراه؟ هل رأيت نفسك كيف أبليت في أمرك وأصبحت تلك العقبات هي نقاط القوة والارتكاز التي أبقت رأسك مرفوعًا؟ ألم ترى أن كل العسر القديم حولك لشخص متين؟ ألم تدرك أن تلك المشاعر التي رتقتها جعلتك في نظر أحدهم الفاعل وليس الاسم المجرور؟
هناك حقيقة لا تقبل الشك ألا وهي أنك قوي بقدر ما واجهت من تحديات. هؤلاء الأشخاص الذين يلاقون بلا سعي ويحصلون على مكاسب الدنيا بلا جهد؛ أيامهم مثل الماء يبقيهم أحياء بلا تذوق حقيقي للسعادة أو التعاسة والذي ينعش كل منهما صورة الآخر ويعينك بقدر كبير من الانشراح.
إن اللحظات القليلة التي تختارها وأنت تحدث نفسك وربما تكون لا تدركها، اللحظات التي تعي أن القطار يمر وأنك في وضع الهدوء الحذِر، تلك اللحظات هي ما يبدد كل عتمة بداخلك وتوقظ بداخلك سنوات من الأمل تعينك على مواجهة طريقك بعد مرور القطار.
من اليوم وفي كل الأماكن التي تتوقف فيها، تحدث إلى نفسك بصورة إيجابية، اجعلها لحظات بناء، لحظات تجدد فيها ثقتك بالله وبنوعية الحياة التي يقدمها لك القدير، اجعلها لحظات دافعة في الاتجاه الصحيح، اجعلها الوقود المدخَر للاستمرار، واجعلها كل الدقائق التي تمكنك من التقاط الأنفاس ومعاودة الشعور بالسعادة.
نحن في المكان الذي يجب أن نكون فيه بكل دقة أما المكانة التي نريد أن نصبح عليها فهي صنيعة أيدينا وأفكارنا وتوجهات نفوسنا.
تفاءل بقوة وباستمرار فنبت غرسك يربيه الله لك ما دمت مستمسك به واثق الخطى قابض يديك على أقدارك كلها وتاركا ظنونك وآمالك بين يديّ الرحمن.
التعليقات