«لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحها بالمنطقة»، تلك هى مقولة الرئيس الأمريكى جو بايدن، ثم يعترف: «أنا صهيونى»، ليؤكد، بكل وضوح، أن إسرائيل اختراع أمريكى لخدمة مصالحها، وأن أمريكا لا ترى مصالحها إلا مع إسرائيل، أما دون ذلك فهو جزء من المشهد المكمل لخدمة إسرائيل، وزعامتها، وتمديد نفوذها فى المنطقة.
على الجانب الآخر، فإنه لا يمكن التقليل من شأن أمريكا، أو القول بضرورة إلقائها فى البحر، كما يتمنى البعض، فهذا كلام يفتقد الدقة، وتغلب عليه المشاعر التى هى، فى النهاية، يمكن أن تكون حافزا، لكنها لا تصلح لاتخاذ قرارات، أو بناء قدرات، أو تقدم دول، وشعوب.
بين هذا وذاك أعتقد أن مراكز الأبحاث، والدراسات فى العالم العربى مطالبة بدراسة المواقف الأمريكية على مدى أكثر من ٧ عقود مضت، ووضع إستراتيجية للتعامل المستقبلى معها.
أتمنى أن تكون هناك رؤية عربية لفك الارتباط على المدى الطويل مع الجانب الأمريكى مادام موقفه يضع العالم العربى دائما فى خانة «الأعداء»، وداعما، ومؤيدا على طول الخط لإسرائيل لتكون «مخلب قط» فى المنطقة يثير القلق، والتوتر، وينغص حياة الشعوب العربية، ويرفع العصا الأمريكية دائما لكى تظل المنطقة «منهوبة» لمصلحة الولايات المتحدة، وتظل الإرادة العربية غير قادرة على التحرر من هيمنتها، ومصالحها.
ما تفعله أمريكا مع إسرائيل منذ نشأتها، وتأكيدات بايدن، ومواقفه المعلنة القديمة، والجديدة - تستدعى وقفة عقلانية لبحث شريط الذكريات الأمريكى، ومعرفة هل أمريكا مهتمة حقا بإقامة علاقات متوازنة مع الطرفين العربى والإسرائيلى، أم أنها مهتمة فقط بالعلاقات التى تخدم الطرف الإسرائيلى، ومساندته فى الهيمنة على مقدرات المنطقة، واستنزاف ثرواتها، وزعزعة استقرارها، وضربها فى مقتل وقت اللزوم؟!
أعتقد أن البداية لابد أن تكون من مراكز الأبحاث العربية فى مصر، والسعودية، والإمارات، والعراق.. وكل الدول العربية التى بها مراكز أبحاث لدراسة ماضى، العلاقات الأمريكية - العربية، ومستقبلها وكيفية فك الارتباط العربى- الأمريكى مستقبلا، وعلى المدى الطويل، وربما تصل مقترحات هذه الدراسات فى النهاية إلى عدم الحاجة إلى الشراكة العربية مع أمريكا اقتصاديا، وسياسيا، وعسكريا حفاظا على المصالح العربية، ومستقبل المنطقة، وفى كل الأحول فإن هذه الدراسات، والأبحاث المقترحة سوف تكون بمثابة كشافات إضاءة أمام متخذى القرار فى الدول العربية لإعادة تقييم الحسابات مستقبلا بما يدفع الولايات المتحدة لتغيير سياساتها من الانحياز الأعمى، والمطلق لإسرائيل إلى التوازن، والشراكة الإيجابية لمصلحة جميع الأطراف.
نقلا عن جريدة الأهرام
التعليقات