مع الأسف لا نملك سوى أن نكرر المقرر كل عام، ونحن نحتفل بذكرى أكتوبر، نحكى مثلا عما حدث في استديو 47 الذي شهد ملحمة إبداعية، من خلال الشعراء والملحنين والعازفين والكورال الذين كانوا جميعا في شبه إقامة داخل (ماسبيرو) يشهد عليهم جدران الاستديو.
الإعلامى يجب أن يتمتع بروح الفنان ويخرج قليلا عن الخط الصارم الذي أصبحنا مقيدين داخله، أتذكر في عام 2018 سارعت بالاتصال بالمسؤول عن إذاعة الأغانى المصرية ذكرته بأهمية الاحتفال بذكرى الميلاد المئوى للموسيقار محمد فوزى، جاءت إجابته مباشرة وبلا روح (نحن نحتفل فقط بذكرى الرحيل) تلك هي التعليمات، قلت له إنها مناسبة تحدث مرة واحدة في العمر، ولن تتكرر مرة أخرى، وفوزى مؤكد يستحق، أجابنى مرددًا، يا صديقى إنها التعليمات، لا أملك كموظف الخروج عليها.
باقى الحكاية أن دولة الجزائر الشقيقة أطلقت في المئوية اسم محمد فوزى على معهد الموسيقى هناك، كما أن الرئيس الجزائرى الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة منحه أرفع جائزة في دولة الجزائر، واستلمها حفيده، عرفانا بأن فوزى هو ملحن النشيد الوطنى الجزائرى (قسما)، الذي كان نداء للثوار منذ نهاية الخمسينيات ثم أصبح هو النشيد الوطنى في عام 1963مع إعلان الاستقلال.
لم نفعل شيئا لفوزى مع الأسف، لأن الروتين يسيطر على عقول المسؤولين، هذه المرة مع الاحتفال باليوبيل الذهبى لانتصارنا المدوى في أكتوبر (50 عاما) واكب أيضا ذلك أغنيات تجاوزت رقم الثلاثين، عبرت عن الانتصار العظيم، شارك فيها من المطربين عبدالحليم حافظ ووردة وشادية وفايزة وعفاف راضى ومحرم وشهرزاد والشعراء محمد حمزة وعبدالرحمن الأبنودى وأحمد شفيق كامل وسيد حجاب ومجدى نجيب ونبيلة قنديل وسيد مرسى والملحنون كمال الطويل ومحمد الموجى وعلى إسماعيل ومحمود الشريف وعبدالعظيم محمد وغيرهم، ويبقى أن العنوان الأبرز والأغزر هما الملحن بليغ حمدى والشاعر عبدالرحيم منصور اللذان قدما معًا الأغنيات بتدفق من أول أنشودة (بسم الله/الله أكبر/ باسم الله) مرورًا بـ (ع الربابة بغنى) و(عبرنا الهزيمة) وغيرها.
ما هو المطلوب في تلك الاحتفالية؟ أن تقيم الإذاعة تكريمًا داخل هذا الاستديو العريق، وأن نرى تماثيل تشهد عليها هذه الجدران، لكل هؤلاء المبدعين الذين قدموا بالكلمة والنغمة أعمق ما رددته مصر، ولا تزال تنساب تلك الألحان في وجداننا.
مر اليوبيل الذهبى على الإعلام بما يشبه ما حدث في الأعوام الأخيرة، وكأن شيئا لم يكن، الإذاعة كانت وقتها هي أول خط مواجهة مع العدو الإسرائيلى، توجهت مباشرة للمشاعر، وكانت الرسالة الإعلامية التي اتفق عليها الرئيس أنور السادات مع وزير الإعلام د. عبدالقادر حاتم ورئيس الإذاعة (بابا شارو) محمد محمود شعبان، وكان الإذاعى وجدى الحكيم خلية نحل تتحرك برشاقة لتنفيذ المطلوب.
النغمة والكلمة الهادئة هما العنوان، لن تجد أبدًا في كل البيانات العسكرية التي صاحبت المعركة سوى الصدق والهدوء، هكذا جاءت الكلمة والنغمة وهما تتدثران بالشفافية.
أغلب هؤلاء المبدعين غادرونا للشاطئ الآخر، ولم يتبق سوى عدد محدود جدًا متعهم الله بالصحة والعافية، لكن التكريم واجب على الإذاعة، يليق باليوبيل الذهبى.
ولكن تقول وتعيد لمين، الإذاعة تتحرك بعقلية الموظف الذي ينظر للائحة ويطبقها حرفيا، ولا تفرق معه خصوصية هذا العام 50 عامًا، وقفت فيه الكلمة والنغمة في المواجهة!!
التعليقات