يحظى التمويل الأخضر باهتمام كبير عالمياً لدوره في تعزيز التنمية المستدامة، وقد بدأ العالم العربي في الآونة الأخيرة في إدراك أهمية هذا التوجه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ. يستعرض هذا المقال الوضع الراهن للتمويل الأخضر في المنطقة العربية مع التركيز على التحديات والفرص المتاحة لتعزيز هذا الموضوع. وسيتم تقديم أمثلة من دول مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية لتوضيح التقدم المحرز وإمكانات هذا القطاع في المنطقة.
وضع التمويل الأخضر في العالم العربي
يتمتع العالم العربي بتنوع اقتصادي وبيئي كبير، ففي حين تمتلك بعض الدول موارد طاقة متجددة هائلة، تعاني دول أخرى من ندرة المياه و مشاكل بيئية مثل تلوث الهواء و المياه و التربة. ولكن رغم هذه الاختلافات، أدركت معظم الدول العربية أهمية الانتقال نحو مسار التنمية المستدامة، الأمر الذي يتطلب دعم التمويل الأخضر.
تُعرِّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التمويل الأخضر بأنه تمويل يستهدف تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية.
كان البنك الدولي أول من أصدر صندوق استثمار أخضر عام 2008، لكن إصدار أول سندات خضراء كان في يوليو 2007، من قِبل بنك الاستثمار الأوروبي.
تنضوي تحت مظلة التمويل الأخضر أدوات مالية منها السندات والقروض والصكوك الخضراء، وصناديق الاستثمار الخضراء، والتأمين الأخضر.
ورصد تقرير لشركة «آرثر دي ليتل» توجهاً متزايداً من جانب المؤسسات العاملة في قطاع الخدمات المالية، عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتسريع وتيرة تبني الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، باعتبارها ركيزة استراتيجية أساسية لتعزيز التزاماتها بالاستدامة في جميع المجالات، منوهاً أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت تقدماً ملحوظاً على صعيد التمويل المستدام والأخضر، حيث بلغت الاستثمارات في هذا المجال 24.55 مليار دولار أميركي خلال العام 2021، مقارنة بـ 3.8 مليار دولار في عام 2020، محققة نمواً ملحوظاً بنسبة 532% على أساس سنوي.
وتُعتبر الإمارات العربية المتحدة رائدة في مجال التمويل الأخضر حيث أطلقت "الأجندة الخضراء 2030" التي تركز على التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ. وأكد نفس التقرير أن استثمارات التمويل الأخضر والمستدام في دولة الإمارات حققت نمواً استثنائياً بنسبة 32% خلال العام 2022، معلناً أن دولة الإمارات تواصل استكمال رحلتها لتعزيز زخم الممارسات البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بناء على ذلك النمو الاستثنائي.
وقطعت مصر خطوات كبيرة مؤخرًا نحو توطين الطاقة المتجددة في خلال السنوات الأخيرة، أهمها:
دشنت عدة مشاريع للطاقة المتجددة على رأسها محطة بنبان للطاقة الشمسية التي تضم 32 محطة يمكنها توليد 1650 ميجاوات.
منحت الحكومة في وقت سابق، رخصة ذهبية لإنشاء مصانع إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بتكلفة استثمارية تبلغ 6 مليارات دولار.
تلى ذلك، اتفاق بين صندوق مصر السيادي، وشركة "سكاتك" النرويجية وشركة فيرتيغلوب الإماراتية لإنتاج الأمونيا وأوراسكوم كونستراكشون، لإنشاء وتشغيل مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر بالعين السخنة، بطاقة إنتاجية 100 ميجاوات.
وفي المملكة العربية السعودية، تم إطلاق "مبادرة السعودية الخضراء" بهدف زيادة نسبة الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات. وستعمل السعودية على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من المعدل العالمي المطلوب للوصول إلى الأهداف المحددة في اتفاقية باريس للمناخ.
وسيتحقق ذلك من خلال عدد من البرامج، من أهمها مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50% من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول 2030، إضافة إلى مشاريع التقنيات الهيدروجينية النظيفة، منها أكبر مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، في مدينة نيوم، باستثمارات تصل إلى 5 مليارات دولار.
التحديات التي تواجه التمويل الأخضر في العالم العربي
على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال هناك العديد من التحديات أمام تطوير التمويل الأخضر في العالم العربي بما في ذلك:
• قلة الوعي والثقافة المالية: يواجه المستثمرون و الأفراد في المنطقة نقصاً في الوعي بأهمية وفوائد الاستثمار الأخضر. وهناك حاجة إلى تعزيز التثقيف المالي لزيادة الوعي بأهمية الاستثمار المستدام.
• القيود التنظيمية والقانونية: قد تواجه مشاريع الطاقة المتجددة والبيئية عقبات في الحصول على التراخيص و الإمتثال للقوانين. لذلك يجب تخفيض القيود التنظيمية لتشجيع المزيد من الاستثمارات الخضراء.
• قلة آليات التمويل المبتكرة: تحتاج المنطقة إلى تطوير آليات تمويل جديدة مثل السندات الخضراء لجذب استثمارات أكبر في المشاريع البيئية والمستدامة.
فرص التمويل الأخضر في العالم العربي
على الرغم من التحديات، هناك العديد من الفرص لتطوير التمويل الأخضر في العالم العربي بما في ذلك:
• التنوع الإقتصادي: يمكن للتمويل الأخضر أن يساعد الدول العربية في تنويع اقتصاداتها من خلال دعم قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة والبنية التحتية الخضراء
• الابتكار المالي: يمكن تطوير آليات تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء والصكوك الخضراء لجذب استثمارات أكبر في مشاريع مستدامة.
• التعاون الإقليمي: يمكن للدول العربية تعزيز التعاون الإقليمي في مجال التمويل الأخضر من خلال مشاركة الخبرات لتسريع التحول نحو الاستدامة.
• تطوير القطاع المصرفي الأخضر: يمكن للبنوك والمؤسسات المالية في المنطقة العربية لعب دور أكبر في تمويل المشاريع الخضراء وتقديم الخدمات المالية المستدامة.
• استقطاب استثمارات أجنبية: يمكن للدول العربية استقطاب استثمارات أجنبية مستدامة من خلال تحسين مناخ الاستثمار وتطوير إطار تنظيمي للتمويل الأخضر.
في النهاية و على الرغم أن التمويل الأخضر في العالم العربي يشهد تقدماً ملحوظاً، إلا أنه ما زال يواجه العديد من التحديات. ومن خلال التركيز على زيادة الوعي وتبسيط الإجراءات التنظيمية وتشجيع الابتكار، يمكن تعزيز الاستثمارات المستدامة في المنطقة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ما يساهم في الانتقال بشكل أسرع نحو مستقبل مستدام للأجيال الحالية والقادمة.
التعليقات