في طريق عودتي من العمل بالأمس كنت أقود سيارتي على طريق سريع. لاحظت وجود كلب "بلدي" يحاول عبور الطريق المكون من خمس حارات مرورية. وقت ان رأيته، كان بالفعل قد عبر ثلاث حارات ووقف في منتصف الطريق يخطو خطوتين للأمام تارة ثم يعود ثلاث خطوات تارة أخرى، كرر ذلك ثلاث مرات في مشهد ينبئ بهلاكٍ محتم.
بسرعة لمحت الطريق من خلفي في المرايا واستخدمت إشارة الإنذار ثم استعرضت الحارة المرورية بزاوية مناسبة لإجبار السيارات من خلفي على تخفيف السرعة والتحذير، في محاولة مني لإكساب الكلب ثوان قليلة للنجاة والعودة إلى الجزيرة الوسطى للطريق ليتسنى له إعادة المحاولة مرة أخرى وعبور باقي الطريق.
وحسنًا فعلت، توقفت ثلاث حارات مرورية ونجحت المحاولة وعاد المسكين يلتقط أنفاس النجاة.
أشكر ابني الذي علمني معلومة عن الكلاب كانت السبب في حفظ حياة هذا الصغير، قال إن السبب الأكبر لموت الكلاب هي الحوادث، لأنها كائنات بطبيعتها لا تعرف كيفية تغير مسارها للخلف. هذا ما رأيته بالفعل في سلوك التردد المذهل للكلب البائس وحيرته الحقيقية في لحظات دقيقة جدًا كان من الممكن أن تودي بحياته.
رغم إننا كبشر لا نمتلك هذه الدرجة من التردد وعدم القدرة على تغيير مساراتنا للخلف؛ لكن الغالبية العظمى منا لا يزال يطرق ذات الأبواب البالية المغلقة كل مرة عوضًا عن تعلم البحث عن أبواب قويمة ناجحة.
علاج أي خطأ ارتكبته ليس إصلاح ما أفسدته فقط، لكن أن تستبق بعقلك ثلاث خطوات للخلف لتعرف أين كان يمكنك أن تضع حدًا لذاك الطريق.
لا يعرف أغلب الناس أن الخوف من المعاناة أشد من المعاناة نفسها. عندما تقف ولا تتقدم فأنت تعاني وإن كنت لا تشعر.
من رحمة الله بالبشر أن منّ علينا بنعمة العقل. هذا الجزء الثقيل من أجسادنا الذي يتناسى الكثير من البشر استغلاله وحسن توظيفه.
يقول ديل كارنيجي "إن أفكارنا هي التي تصنعنا واتجاهنا الفكري Mental Attitude هو العامل الأول في تقرير مصائرنا".
هنا الكلب كان مجبرًا على فعله هذا، فقد كان سلوكه نزولا على طريقة خلق الله له.
أما ونحن نمتلك معجزة العقل فوق أكتافنا فقد كان من الواجب أن نسلك سلوكًا مغاير، ما يدفعني للاعتقاد أن الغباء سيظل موهبة شخصية عند بعض البشر.
يقول باولو كويلو: "لا شيء في الدنيا خاطىء تماماً ، حتى الساعة المتوقفة تكون صحيحة مرتين في اليوم".
حسنًا فلتتوقف، هل يكفيك أن تكون على صواب ثانيتين فقط كل يوم؟ يراها البعض عادية لكني أراها خسران مبين.
وهبنا الله مرونة هائلة للتراجع عن الخطأ وتصحيحه، ثم وهبنا سبحانه وتعالى إِسْتِطَاعَة لا متناهية للتعلم واكتساب الخبرات، لكننا نقف في ذات الجزيرة الوسطى من دنيانا، لا نتراجع ولا نكمل ولا نأخذ أي تدابير تمكنا من جودة مزاولة الحياة.
أي مَسَبَّة ونقيصة عقلية تلك التي تجعل المرء غير قابل للتطور والتعلم والترقي في دنيته.
أصحاب القدم الأولى سكنوا بيوت الجهاد، كل يوم من أعمارهم يرممون آثار الفشل ويستبدلونها بمعاول بناء فتاكة، النجاح لديهم هو سلسلة متشابكة من الكدح اليومي الحثيث.
لم تكن لتكون هذا الشخص لولا تخليك عن الكثير من متع دنياك في سبيل أن تكون إنسان يشار إليه بالبنان.
ونعم يا صديقي النجاح مكلف جدًا جدًا، لا تصدق أن أحدهم فعلها بسهولة!
اعتلي عقلك تندحر خيباتك؛ الرؤية من علو هي المشهد القَوِيم.
سيظل خوفك من الفشل هو سبيلك الآمن للنجاح.
اجعلهم يرون النجاح في عينيك، لا تتردد وتقف عاجز عن الحركة، أنت لست شجرة!
وهبك الله كل الإمكانات الخارقة لتصبح نسخة غير مكررة من أحد، تحرك وتقدم وتدبر جيدًا أين تضع قدميك.
لا أرى تحدٍ في الدنيا يقيك قيظها سوى أن تنتقل من منصة المتفرجين إلى أرض اللاعبين.
الملائكة مجبولون على الطاعة، كما يعرف الشيطان مصيره الحارق، أما نحن من نعيش التحد الحقيقي، فنحن نمتلك مصائرنا بحق.
إِسْتَحوِذ على ما شئت، لن ينفعك سوى إرادة حديدية تزين بها نظرتك لنفسك. الكل يراك كما ترى نفسك من الداخل. لست المُتَخَف المستتر بل البَيِّن الجَلِيّ.
بإمكاننا تغيير مصائرنا فور إدراكنا لقدرتنا على تغيير مساراتنا للخلف أو للأمام.
الاتجاه المعاكس يكون أحيانا هو أهم تغيير تحتاجه في دنيتك، فخلف الأبواب الموصدة ترقد الكثير من الحيوات.
نجاحك هو عدد الخطوات التي مشيتها بقوة في الإتجاه الصحيح، كان ذلك لسنوات أو عمرًا بأكمله.
يلتقي النجاح والفشل داخل أجسادنا، يتوقف الأمر برمته يا صديقي على تلك اللحظة التي تأخذ قرارك بالسير في الاتجاه الصحيح.
الحظ والنصيب يلعب الدور الهامشي في تلك الحياة، دائمًا يتوقف كل شيء على جهدك المبذول وصبرك وإيمانك بحتمية الوصول.
غير ذلك فلتبني لك بيتًا على الجزيرة الوسطى لأحد الطرق التي لن تغادرها أبدًا.
التعليقات