كلما نظرت في أحوال النفوس وبين منحنيات مشاعر البشر أجد أن معظمنا يعيش أيامه (بين قوسين).
الأقواس تحوي الكلمات الهامة التي يراد إبرازها، لكنها في قانون الحياة تعبر عن القضبان التي تحبس اهتماماتنا وتمنحنا أمان زائف يحيط بأرواحنا التي نخشى عليها الجرح وسيلان الروح.
الحياة بين قوسين خانقة صاعِقة، كل شئ تخشى التعرض له، كل شعور تمنحه إياك دنيتك تضعه في أعماق جوفك وتخشى التعبير عنه خوفًا ألا تجد صداه في من أحببت.
صديقي حياتك بين قوسين تعني أنك لم تفتح بعد سنوات حلوة وشاقة يُنتظر منها وفيها الرجاء.
العيش على أعتاب الدنيا مرير، كمن يمتلك بستان يخشى دائمًا التنزه فيه حتى لا يلتهب من حرارة شمس الظهيرة.
لله في دنيانا عِبَر نتناساها، لكن أجمل ما تكتبه في دنيتك هي تلك الأسطر التي خالطت عَرَق الكد ومواصلة السعي ودأب الوصول.
صباح معطر بالأمل وآخر مُحبِط وأيام من السعادة والشقاء والصبر هي الوقود وعقد الوداد الذي يحمل بين سطوره الكثير والكثير من أدب العيش ومِلح الحياة.
داخل معظم عقول الصِبية، تصطبغ أرواحهم بأمل يُلزم الأيام برؤية الألوان كما يبدو أصلها الحقيقي.
ثم يكبر الصبي ليفاجأ بأن الألوان أصبحت خليطة، يبحث عن اللون الصريح المدفون بداخله فلا يتعرف سوى على رائحة الحبر.
الألوان لها مئات الدرجات، إنما يصر البعض على الأساسي منها. عمى الألوان هو عدم قدرة المخ البشري على التمييز بين أطياف الألوان، هؤلاء الأبطال لا تموت ضحكاتهم أبدا، بل يتعلمون كل لحظة كيفية الشعور بالنعمة وانتظار حضورها وقت يضعون نظارتهم المميزة.
في صِبايا كنت أخشى أن أُخطيء كما تخشى الأسماك خروجها من الماء.
ثم طال عمري للحد الذي أدركت فيه أن الخطأ جزء عظيم من جمال وتجارب الحياة، وأنه النافذة الوحيدة التي أطل منها على متعة تعلُم الصواب.
لطالما كانت مخالطة البشر مُخَالفة لمحطة أمَاني، لكنها كانت السبب الأوحد الذي قادني لمعرفة من أكون، كيف تربيت وما هي معطيات الميراث الذي سأتركه لمن خلفي.
سنوات التعلم الطويلة لن تصنع منك إنسان، بل يفعل ذلك سنوات عديدة من الكسر والإقامة وأرق التجارب.
لولا أن وهبنا الله القدرة على الاختيار والتكيف لأضْحت سنوات الكد هباء.
إن عمرك يعبر عن كل التعديلات التي أجريتها على نفسك لتصبح بهذا الجمال الذي أنت عليه اليوم.
لو ظللت تعيش في غرفة آمنة منعزلة لما أدركت كيف يمكنك أن تموت مطمئنًا.
لا أحد يمتلك القدرة على معرفة مصيره أو جواز مروره في الدنيا، إنما يا صديقي العزيز نحن نصْطَبِر حتى تنضج قهوتنا ويتغير مذاق مرارها فتصبح لقلوبنا وقود الصباح.
في يوم ليس ببعيد سيمُدك الله بالاطمئنان الذي يجعلك تنتظر بعد الظلام الحالك خيوط فجر الطيبات، لن تَحْني الإبتلاءات قامتك بل ستتأكد في قرارة نفسك أنها البداية الحتمية لانفراج أنياب القدر عن كتفيك.
كل كلمات ووعود السعادة لن تتحول داخلك لواقع لو لم تؤمن بداخلك أنك تستحق كل حلويات الدنيا، وأن تلك الأخيرة ليست سوى صراط الآخرة.
ألم تتساءل يومًا لماذا تكبر في العمر؟ لماذا ينخر الزمان علاماته على جسدك؟ لماذا كل شيء حولك يفنى ويتجدد؟ ولماذا يخالط الأمل داخلك الخوف الرشيد؟
صديقي، لا شيء يبقى معك للنهاية سوى نفسك التي أعددتها في مشوارك المكتوب مسبقًا والذي لا تعرف عنه شيء البتة.
لذلك كل ما يجب عليك إعداده في دنيانا تلك هو روح مثابرة لا تلين ولا تنحني!
تلك هي الأقواس الجيدة الواجب أن تحيط بقلوبنا وأرواحنا لتصير تلك النفس الدؤوبة القادرة على إدارة مؤسسات قلبك وروحك.
لا تخشى الألم أو الفقد، تواصل مع تلك الموجعات على أنها الوقود الذي يجعلك تشيخ في عِزة ورخاء.
سنلتقي في دنيا أخرى آمنة لانهائية، نتذكر سويًا سنوات طويلة من الصبر وسنوات أخرى من الجلد أعقبتها سعادة أبدية لن نخشى أبدًا زوالها.
كل ما تحتاجه لتصل إلى هناك، أن تكون كلماتك تعبر عن فِعلك، أن تكون احتياجاتك من دنيتك حِسية، أن تتمنى بقاء نعمتك ونِعَم كل من حولك، أن تظل مثل حاملة الملابس يَبقى كل ما يوضع على أكتافها آمن ومنمق، وأن تستمر طوال عمرك تنفض غبار اليأس عن قلبك وقلوب كل من تحب.
التعليقات