قولاً واحداً الفيلم البريطاني الذي عرض في قسم «البانوراما» بمهرجان برلين في تلك الدورة التي أسدلت ستائرها قبل 36 ساعة، يزيف التاريخ، من حقنا أن نقول ذلك وأكثر عن فيلم «غولدا» للمخرج نيكولاس مارتن، وبطولة هيلين ميرين، الفنانة المبدعة الحائزة من قبل على أوسكار. السؤال هل بإعلان الرفض انتهى دورنا في مواجهة رسالة الفيلم التي صدّرها للعالم من خلال واحد من أعرق المهرجانات في الدنيا وأكثرها تأثيراً؟!
الفيلم لاقى رواجاً وأتيح له العرض مرات كثيرة، الشريط السينمائي يقلب الحقائق، معتبراً أن انتصارنا العرب في أكتوبر (تشرين الأول) 1973 تحقق فقط في الأيام الأولى للحرب، بعدها انقلبت الموازين، والجيش الإسرائيلي بعد اختراقه الثغرة صار منتصراً، وهو ترويج خاطئ لأكذوبة، صدّروها للعالم، يكررونها في أفلامهم، ولم تكن المرة الأولى، ولا أتصورها قطعاً الأخيرة.
إسرائيل أدركت جيداً قبل أكثر من 100 عام، أي قبل قيامها كدولة، خطورة هذا السلاح.
عرفت إسرائيل أهمية السينما واستخدمتها في التمهيد لاحتلال الأرض من قبل «وعد بلفور» 1917، أرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني، لإقامة وطن لإسرائيل، فوراً نشطت العقلية الإسرائيلية، وقدّمت أفلاماً تسجيلية صامتة عن حق إسرائيل المزعوم في أرض فلسطين، مثل «قطيع ماعز في القدس»، وبعد دخول الصوت، وفي مطلع الثلاثينات قدّمت أيضاً أفلاماً مثل «صبار»، وتعددت الأفلام الإسرائيلية، خاصة بعد نكبة 48.
اكتفينا نحن بأغاني نرددها فيما بيننا مثل «أخي جاوز الظالمون المدى - فحق الجهاد وحق الفدا» لعلي محمود طه، تلحين وغناء عبد الوهاب، في عام 1960 واصل بن غوريون مؤسس الدولة العبرية استخدام هذا السلاح وساهم في إنجاز فيلم «إكسودس» بطولة بول نيومان، وحصد الأوسكار.
بين الحين والآخر، يقدمون أفلاماً تتحدث عن رغبتهم في السلام، مثل «زيارة الفرقة الموسيقية» 2007، الذي عرض في مهرجان «كان». حاولوا اختراق أكثر من مهرجان عربي لعرض الفيلم، وقدموا في المشهد الأخير عناقاً بين العلمين المصري والإسرائيلي وتداخلت موسيقى النشيدين الوطنيين، لا أنكر أنهم يعلنون دائماً عن رغبتهم في السلام، بينما الممارسات على الأرض تؤكد أنهم لا يجيدون سوى الاغتصاب، حتى في فيلم «غولدا» أسهبوا في تقديم مشاهد تسجيلية لمفاوضات السلام بين الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، وحضرت جانباً منها غولدا مائير، التي كانت قد غادرت موقعها، ولكن لثقلها التاريخي شاركت في الجلسات الختامية، وتضاحكت كثيراً مع السادات، أنهي الفيلم البريطاني مشاهده بـ«حمام سلام» مقتول على الأرض، وكأنهم يريدون السلام، بينما نحن الذين نسفك الدماء.
كان الرئيس أنور السادات مولعاً بالسينما حتى إنه في 23 يوليو (تموز) 1952 ليلة قيام الثورة ذهب لدار عرض قريبة من منزله، مع السيدة جيهان السادات، وذلك قبل ساعات قليلة من بداية تحرك الضباط الأحرار، ورغم ذلك فإنه بدافع حرصه على السرية المطلقة لم يسمح بتواجد كاميرات في بداية حرب العبور، وكل ما نشاهده في الأفلام لقطات أعيد تصويرها بعد ذلك.
قال لي النجم العالمي عمر الشريف، الذي ربطته صداقة مع السادات، إنه طلب منه إنتاج فيلم عن أكتوبر، ورصد له ميزانية مفتوحة، وافق عمر الشريف في البداية، إلا أنه بعد ذلك تراجع، وقال لي لن يحاسبوا أحد غيري على الإخفاق، وسوف أجد نفسي تحت مرمى نيران الغضب.
مع الأسف أفلامنا المصرية عن أكتوبر، ويبلغ عددها 6 أفلام، صورناها بعد الحرب مباشرة، توصيفها الصحيح أنها أفلام تجارية، علينا أن نسارع بالدخول إلى ميدان السينما العالمية، الرؤية المتداولة عن حرب 73 لصالح إسرائيل، لم نستطع حتى الآن مخاطبة العالم لتصحيح الصورة، من السهل أن نبدد طاقتنا في شجب فيلم مثل «غولدا»، ولكن ماذا بعد؟
في أكتوبر المقبل سنحتفل بمرور نصف قرن (اليوبيل الذهبي) على انتصارنا، وفي الوقت نفسه، إخفاقنا في تقديم فيلم يقول للعالم إننا حقاً انتصرنا!!
التعليقات