زمان كان والدي رحمه الله يمتلك فيلا جميلة في منطقة "الكينج مريوط" بالإسكندرية، الحديقة الخلفية كانت تحتوي على بئر للمياه يعلوه مروحة رياح، يطلق عليه"بئر المروحة". يتصل البئر بخزان لتجميع المياه للري.
الحديقة الخلفية محظور دخولها لأن البئر والحوض غير محميين ولا آمنين على الأطفال.
هوايتي كانت التواجد في منطقة الحظر، اتسلق حوض المياه العميق وانتظر حتى يمتلئ، ثم امارس هوايتي في السقوط فيه.
أما عن البئر فقد كان الجزء العلوي منه بمروحيته الساحرة يضفي السعادة لنفسي، خصوصًا صوت المروحة الذي يحمل الكثير من البهجة والحياة.
الفقرة الأكثر إثارة وهي تسلق حواف البئر وإلقاء الأحجار داخله، ثم سماع صوت سقوطها في الماء.
النظر للقاع المظلم العميق لا يزال محفورا في ذاكرتي بكثير من الوَحْشَة والضبابية والغموض.
اليوم أتعجب كيف صَنَع البشر ما يحاكي به الكثير من الحوايا الداخلية التي يخجل من ظهورها أو اكتشافها.
لا يحتاج المرء إلى تسلق الجبال ، ليعرف أنها عالية، كذلك لا تحتاج أن تسقط في البئر لتتيقن أنه قد يكون غادر وعميق.
إن أقبح ما يتصف به الإنسان هو النفاق، هو طريق ممهد لسوء الخاتمة.
إذا كنت الجميل الذي تؤمن أنه يعيش بداخلك، فكيف يسقط البعض في بئر النفاق؟ وهل كل الآبار غادرة؟ ثم كيف أعرف أن مَن أمامي شخص وضيع؟
في كثير من الأحيان لن تعرف إلا بالتجربة وكيّ القلب بلهيب الانكسار.
عندما يكون كل شيء يخبرك أنك مقبل على الشخص الخطأ ومع ذلك تظل بجانبه، تيقن أن مروحة البئر لن تخرج سوى الماء العطن.
الأراضي ليست كلها صالحة للزراعة، كذلك مياه الآبار ليست جميعها صالحة للشرب.
أحب أن أذكر قلبي أن الخوف من المعاناة أشد وأكثر إيلامًا من المعاناة نفسها.
فإذا وجب عليك تغيير ماؤك الآسن؛ قم بحفر البئر في مكان آخر ولا تخجل فلن يفشل من أراد لنفسه مذاق أفضل.
يقول جورج برنارد شو: (يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك ، ثم يقولون هذا أنت، لا يا عزيزي هذا ليس أنا ،هذا ما تريده أنت).
كل رحمة تهملها في قلبك تصبح لعنة على عمرك.
بقدر ما ترتجي لنفسك مقامًا رفيعًا في الدنيا، بقدر ما يحتاج قلبك للترويض وإجبار نفسك على المضي على الصواب.
إن صراط دنيانا هو بداية صراط آخرتنا، فإذا أردت أن ترى موضع قدمك أكان في البرد والسلام أم في اللظى وطي النسيان؛ فلتنظُرن إلى قاع بِئرك.
نجحت التكنولوجيا في تحديد موقعك على الأرض عن طريق "الجي بي أس" GPS، أما موقعك في السماء يا صديقي منوط باجتهادك للوصول لبغية تلائم مقامك على الأرض.
كل منا يحمل محرك بحث قادر على التوجيه الصحيح، إنما يأتي الوغد الذي بالداخل ليغير فطرة الجمال لمزيد من القبح يطل على قلوبنا بمزيد من البؤس والشقاء.
لا سامح الله من أطل على أعمارنا بعطن قلبه، العادل لا ينسى من ظُلم، وهو القائل في كتابه العزيز "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب".
كل ما صبرت عليه يأتي الله في أحد الأيام المشرقة يمسحه عن قلبك فتغدو كأنك لم تتألم يومًا.
كل الأيام القاسية التي جاورت فيها الحاقدين، يستبدلها الله برحمة ومُقَامات من نعيم، فتقف بين يديه تناديه وتناجيه، ماذا فعلت يا أرحم الراحمين حتى استحق كل هذا الهناء؟ لعلها بسبب روحك الصابرة أو نفسك الهينة أو قلبك الحنون.
إن لله عبادًا لو أقسموا على الله لأبرهم، أتعرف يا صديقي من هم؟
هم أُناس لا يرد لديهم طلب، يلهجون بالدعاء، ثقتهم في الرحمن لا حدود لها، ويوقنون أن نهاية الألم والصبر بَر وظِل وأمان.
اجتهد ألا تجعل لَقَبك هو ما يكسبك المجد، بل كن ممن ينسب المجد والعظمة لإسمه. أفعل الخير ليس كما يليق بك أو كما أنعم الله عليك، بل بما يليق أن تضعه بين يدي الله.
هناك قلوب مثل عصور الظلام، أصحابها يرفضون دخول النور؛ لا أحد يستطيع أن يفتح عينيه في النور بعد نوم الليل الطويل، فماذا عمن عاش في الظلام عمرًا بأكمله؟
أحب أن أخبر نفسي أني لست في تحدٍ مع أحد، فكل الأشياء البسيطة التي أفعلها بجودة تكسبني مهارة فعل الأشياء الصعبة بنفس الجودة؛ وذلك ما يمنحني جواز المرور الآمن في الحياة.
في دنيانا نتعرف على حمير يرتدون أقنعة الأسود، يلهثون وراء حياة يعجزون عن إقامتها.
لو سألتني يا صديقي عن شغفي، أجيبك بأن أجيد صناعة محبتي في قلبك في حياتي وبعد مماتي، أن أثق بأن الله الذي ابتلاني قادر أن يزيح عني أثقل البلايا، أن تظل بوصلة قلبي صوب تجاهل أصحاب النفوس الضحلة، أن أكتفي بعطايا الرحمن وأُربيها، أن تظل ذاكرة عقلي حاضرة فلا أنسى من ظلمني، وأن تظل ذاكرة نفسي معطلة فلا يؤلمني تذكر من أساء لقلبي؛ وبذلك أنجو.
التعليقات