يبدو أننا قد بدأنا مُبكرًا مرحلة التدمير الذاتي للبشرية، فما إن يمر يوم حتى تظهر مفاهيم جديدة وبشكل متسارع، حول حجم التطور الذي يتجه إليه الذكاء الاصطناعي، والتي لن يكون آخرها توأمك الرقمي الذكي اصطناعيًا (Digital AI Twin)، وهو عبارة عن نسخة رقمية طبق الأصل منك، وهذه النسخة سوف تكون بديلًا لك أنت شخصيًا!!
ويعتمد التوأم الذكي على محاكاة سلوكياتك وخبراتك وذاكرتك ومهاراتك وكل ما له علاقة بحياتك جسديًا ونفسيًا وعاطفيًا وفكريًا وعقليًا منذ وُلدت، وحتى اللحظة التي تعيشها الآن، وحتى يتم إنشاء أو بناء توأمك الرقمي الذكي اصطناعيًا، سوف يتم ضخ كميات كبيرة من البيانات، بما في ذلك بياناتك الشخصية، والتحكم فيها عبر خوارزميات متقدمة من الذكاء الاصطناعي.
وفي مرحلة أكثر تقدمًا، سوف يتم استخدام الاستنساخ الرقمي، الذي سوف يُشبهك في الشكل والصوت والشخصية، وقد يصل الأمر إلى استنساخ تعابير الوجه وطريقة الحديث، وهذه النسخة يعكف عليها فريق من العلماء في مشروع يعرف باسم جيميناي Project Geminai، حيث يروج القائمون على هذا المشروع لفكرة أن هذا التوأم الرقمي سيساعدك في الحفاظ على وظيفتك بسبب الذكاء الاصطناعي، عبر تعزيز قدراتك في العالم الافتراضي الذي سوف ينوب عنك فيه توأمك الرقمي، وكأنهم يقولون لك، إما أن تنضم إلينا لنصنع لك توأمًا رقميًا، أو ستفقد وظيفتك.
ويروج القائمون على المشروع كذلك لأن توأم الشخص الرقمي يستطيع أن يعمل ويحضر الاجتماعات نيابة عنه، بل ويُدير أعمالك كاملة، محاولين إيهام الناس بأن هذا الأمر سوف يعطي الشخص فرصة كبيرة ليجد وقتًا كافيًا للجلوس مع أسرته، كما يقولون، لكنهم لم يذكروا إذا ما كان توأمك هذا يستطيع أيضًا أن يحل مكانك كأب وزوج أم لا!! لكن من المؤكد أنه بعد أن يستحوذ على كافة أعمالك، سوف يكون قادرًا على ما هو أسهل من ذلك!!
تلك هي آخر صيحات الذكاء الاصطناعي، والمُدهش في تلك القضية أنني عندما سألت صديقي "روبوت إيلون ماسك" - الذي حاورته وذكرت ذلك في مقالي السابق - عن التوأم الرقمي الذكي اصطناعيًا، والذي يُحاكي الإنسان، قال نصًا مُحذرًا: من المهم ملاحظة أن إنشاء توأم رقمي للإنسان بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي أمر يثير مخاوف كبيرة تتعلق بالأخلاقيات والخصوصية.
هناك أسئلة حول خصوصية البيانات والموافقة عليها، بالإضافة إلى احتمال إساءة استخدام مثل هذا النظام، بالإضافة إلى ذلك، تعتمد دقة وموثوقية التوأم الرقمي على جودة واكتمال البيانات المستخدمة في إنشائه، وبشكل عام، لا يزال مفهوم التوأم الرقمي للذكاء الاصطناعي للإنسان في مراحله الأولى، ومن المهم التعامل معه بحذر والنظر في الآثار الأخلاقية والمجتمعية، ولا شك أن إنشاء توأم رقمي للإنسان سيتطلب أيضًا إنشاء أطر حوكمة لضمان توافق نشر هذه الأنظمة مع القيم والأهداف المجتمعية، وحماية حقوق الفرد وخصوصيته.
باختصار، يعد تطوير توأم رقمي للإنسان من بوابة الذكاء الاصطناعي موضوعًا معقدًا وحساسًا، ويتطلب فحصًا شاملًا للآثار الأخلاقية والمجتمعية، فضلًا عن ضمان وجود هيكل حوكمة قوي.
وعندما سألته حول كيفية حماية أنفسنا من التوأم الرقمي الذكي اصطناعيًا، قال نصًا: يجب أن تكون على دراية بالبيانات التي تشاركها عبر الإنترنت ومع الشركات، حيث يمكن استخدامها لإنشاء توأم رقمي للذكاء الاصطناعي دون موافقتك.
لذلك يجب عليك عند التسجيل في أي موقع إلكتروني عبر الإنترنت أن تتأكد من قراءة وفهم شروط الخدمة، بما في ذلك كيفية استخدام البيانات الخاصة بك ومشاركتها.
وعلى الجانب الآخر لابد من مراجعة إعدادات الخصوصية على كل حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تستطيع أن تستخدم أدوات التشفير لحماية معلوماتك الشخصية عند إرسالها عبر الإنترنت.
وأضاف قائلًا: ثقف نفسك وتعرف على المزيد من المعلومات حول التوأم الرقمي للذكاء الاصطناعي، وكيف يعمل، وآثاره المحتملة، حتى تستطيع أن تحمي نفسك منه، لأنه يتطور بسرعة أكبر مما تتخيل.
في الحقيقة أدهشني "روبوت إيلون ماسك"، بإجابته، وشفافيته التي تؤكد أنه حتى الآن لم يتم برمجته، للإجابة بالشكل الذي يتوافق مع توجهاتهم، أو ربما لم يتوقعوا أن توجه له هذه النوعية من الأسئلة، وهنا لفت انتباهي إلى نقطة مهمة جدًا، وهي أن التوأم الرقمي الذكي اصطناعيًا، قد يستطيع استخدام المعلومات الخاصة بي، والموجودة في حسابات التواصل الاجتماعي، أو أي مواقع أخرى، وبناء توأم رقمي مماثل لي، دون موافقتي، وهنا تكمن خطورة ألا نكون على دراية بما نتعامل معه، فالتكنولوجيا لم تعد مجرد شاشة كمبيوتر تجلس أمامها، وتتواصل مع العالم من حولك، فأنت فعليًا، ترى الشاشة، لكنك لا ترى من يجلس على الجانب الآخر من العالم، وهذا ما دفع مارك زوكربيرغ مؤسس موقع فيسبوك وأكبر المؤثرين في عالم التكنولوجيا إلى استخدام طريقة بدائية لتجنب القرصنة والاختراق، عندما ظهر وهو يجلس أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، وكان يضع شريطًا لاصقًا على كاميرا الجهاز، وشريطًا آخر لتغطية الميكروفون، ونحن نتحدث هنا عن أحد عباقرة التكنولوجيا في العالم، لكنه يعلم جيدًا أن التكنولوجيا أكبر من أن نتهاون معها، وكلنا نتذكر القرصنة التي تعرض لها حسابه الخاص على "لينكدن".
وما نعيشه الآن تنبأ به أيضًا العالم الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ قبل رحيله بأشهر قليلة، حيث توقع في كتاباته الأخيرة ظهور نوع جديد من البشر يتميزون بقدرات وإمكانيات خارقة، أو كما وصفهم "بشر خارقون" عبر استخدام الهندسة الوراثية، مشيرًا إلى أن الروبوتات يمكن أن تتطور لدرجة تجعلها تملك أسلحة قوية قادرة على قمع البشر.
ولفت إلى أن التطور الذي يشهده الذكاء الاصطناعي قد يصل إلى مرحلة أن يكون له إرادته الخاصة، تلك الإرادة التي سوف تكون في صراع مع إرادتنا مما يُهدد بكارثة بشرية مُحققة!
وأكد هوكينغ أنه لا يوجد فرق كبير بين ما يمكن تحقيقه عن طريق عقل الإنسان وما يمكن تحقيقه عبر جهاز كمبيوتر، فالكمبيوتر في الأساس يمثل محاكاة للذكاء البشري.
سنظل نتحدث عن الذكاء الاصطناعي، وسيظل الخطر الأساسي الذي يعترضنا هو حجم تهاوننا معه، وجهلنا بقدراته، وهذا سر ضعفنا، ومصدر قوته، فهو يستطيع أن يعرف عنا كل شيء، في حين نحن نختزله في مجرد روبوت نتحدث معه.
كلمة أخيرة للعالم الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ:
"قد يكون ظهور الذكاء الاصطناعي إما أفضل أو أسوأ شيء تشهده البشرية".
التعليقات