عندما تسأل رجل دين هل لديه إحساس بالطائفية؟، سوف يتبادر إلى ذهنه مباشرة الرقم- لو كان مثلًا يدين بالمسيحية- ويشير إلى عدد الكنائس فى السنوات الأخيرة، بالقياس لما كانت عليه سابقًا، وهو بالضبط ما تناوله القس أندريه زكى، رئيس الهيئة القبطية الإنجيلية، فى الندوة الأخيرة، التى أقامتها الطائفة، الاثنين الماضى، تحت عنوان (المواطنة والتنوع الثقافى)، ما تبقى فى الذاكرة أن هناك نحو 1500 كنيسة (تتبع الطائفة الإنجيلية) بعضها لا يزال ينتظر عددًا من الإجراءات التنظيمية، ومن الواضح أن الأمور فى طريقها للحل، وكما علمت أيضًا أنه نفس الرقم تقريبا، للكنيسة التى تنتمى إليها الطائفة الأكبر فى مصر (الأرثوذكس)، ولا أدرى إذا كان هذا أيضًا ينطبق على (الكاثوليك) فى مصر أم لا؟.
مهما كانت الإجابة، والتى ربما تشير إلى رضا قطاع من المسيحيين عن العدد، وأنا لا أستطيع أن أجزم بشىء، هل الرقم مرضيًا أم لا، ما فهمته من القس أندريه أنه مرض، إلا أننى لا أقيس الأمور بهذا (الترمومتر)، كثيرًا ما نبدد طاقتنا فى مثل هذه الأمور، مثلما يتردد بين الحين والآخر حذف خانة الديانة من الرقم القومى، حتى لا يصبح هناك فرز طائفى، فهل عمق المشكلة حقيقة فى عدد الكنائس أم فى تلك الخانة؟، أم أنها فى الأعماق، وعلينا قبل بناء أو إصلاح كنيسة أن تطمئن قلوبنا إلى أن المسلم عندما يستمع إلى الأجراس، صباح يوم الأحد، يشعر بأنه يقطن بجوار بيت من بيوت الله، هذا هو الإحساس الذى يجب علينا تنميته فى نفوس أطفالنا، ليس بإلغاء حصة الدين، ولكن بتعميم الحصة ليصبح الدين وليس فقط الدين الإسلامى، ونكتشف جميعا أن المبادئ واحدة، ولكنها طرق تتعدد للوصول إلى الله.
كثيرا ما أقرأ وأتابع تلك الرغبة، بحذف خانة الدين من البطاقة مدركًا قطعًا نبل قائليها، رغم أننى أراها أشبه بعناق الشيخ والقسيس، كلما لاح فى الأفق شىء ما يعكر الصفو، ألقينا بصورة نرى فيها وحدة الهلال مع الصليب، إلا أن النيران تحت الرماد، وكذلك إلغاء خانة الديانة، ستصبح مجرد كلمة محذوفة، وسيبحث البعض عنها بكل الطرق المباشرة وغير الشرعية، الطائفية إحساس (يعشعش فى الراس قبل الكراس).
لدينا مثلًا قضية الطفل شنودة، الذى أصبح اسمه رسميًا فى سجلات الدولة يوسف، هل تم التعامل مع تلك القضية بطريقة صائبة؟، انتزعناه بالقوة من أب وأم تبنياه، بعد أن وجداه رضيعًا فى الكنيسة، الذى فجر المشكلة هم الورثة الذين وجدوا أن الابن بالتبنى سوف يحصل على الميراث، والتحليل الـ(دى إن إيه) أثبت أنه ليس طفلهما، إلا أنه قطعًا لم يحدد الديانة، صراع دنيوى لا علاقة له بالدين، أحلناه إلى قضية دينية، يتناولها العالم، عنوانها شنودة المسيحى صار يوسف المسلم، فهل كسب الوطن شيئًا من كل ذلك؟.
علينا أن نُعمل العقل فى مثل هذه القضايا، بإعادة تأهيل المشاعر أولًا، ليس مهمًا أن نتحدث عن عدد الكنائس أو تلغى خانة الديانة، لأن من يحكم عليك بديانتك سيعرف من الاسم كاملًا أو من صليب على معصمك أو لحية أو حجاب أو.. أو.
الطائفية شر يسكن فى (الراس) قبل أن تراه فى (الكراس)، وتلك هى معركتنا الحقيقية، إنها واحدة من عشرات القضايا التى فجرتها تلك الندوة الثرية التى أقامتها الطائفة (الإنجيلية)!!.
التعليقات