أحب سماع الموسيقى هي الشئ الوحيد الذي يجعلني أتوحد مع روحي، أنسى العالم من حولي وأكتب.
الأغنية تخبرك بالقصة التي يود كاتبها منك أن تسمعها، لكن أحيانًا اللحن المجرد يصل بك إلى ما تود أن تقوله أنت لنفسك.
أغلب الأغنيات الرائعة الراقية لحنها المجرد أقوى وأكثر تأثيرا؛ لا يُلْزِمَك بشيء.
اللحن يعرف تمامًا أنه يقبع وحده، لا ينتظر الكلمات أن تؤنسه، لا يستند على أحد، لا يجاوره أحد، ولن يهتم لسماعه إلا من يتأثر ويقتدي به.
كذلك بعض من البشر!!!
عندما أستمع للموسيقى، تخرج الحروف من بين ضلوعي معلنة ما يجول من كلمات، أحيانًا متعثرة ضلت طريقها للحياة، وأحيانًا ناعمة رَطِيبة دمثة، أُثَمِن من خلالها طريق الرجاء.
في بعض الأوقات، تَلْزمنا الكثير من الخسارات لندرك قيمة ما في حوزتنا من نِعَم.
سعادتك يا صديقي هي اتقانك لفن الاختزال. عليك أن تستغني عن بعض من حاضرك القارِص والكثير من ماضيك المؤلم حتى يتجرد اللحن وتستطيع سماع صوتك.
أجبرنا قانون البشر الآثم أن نخسر الكثير مما كافحنا من أجله لسنوات، سقطت الكلمات والإيقاع والكثير من المعاني؛ وبقي اللحن يجافي الإثم.
كان يجب أن ندرك أن هناك الكثير من الطرق التي لن نستطيع اختزالها أو حتى اختصارها، نَمُر جبرًا من خلالها ولا نتركها تمر على أعمارنا.
لعنة الأمنيات أنها تعلمك بطريقة مدهشة معنى التحمل وكيف يكون الصبر وما هو مذاقه.
عندما تنضج ... تدرك أن عدد من حولك لا يهم قدر عدد الصادقين منهم. تتعلم عن جد أن الصبر هو فن إمكان التنفس ببطء وأنت تختنق، أن رحيل الندل هو أول طريق النجاة، وأن غياب الأحبة يقتات على سعادتنا إلى أن نلقاهم.
لكن يا سيدي مثلما خلق الله فينا سِمة التعلق بالأشخاص و قلب ضعيف لا يحتمل الرحيل و لا يقدر على التخلي، خلق فينا الشجاعة والكرامة الإنسانية التي تترفع بنا عن كل ما يسحق قلوبنا فننفر من كُل من يُؤذينا، ليبقى بجانبنا من يليق بقَدْرنا وجودة أرواحنا.
لو كان لي الأمر في وزارة التربية والتعليم لَوضَعت منهاج لفن تشييد الإنسان. هذا البائس الذي لا يعرف كيف يبدأ من حيث انتهى الآخرون، ليتعلم فن التخلي عن المؤلم وكيف يتمسك بقوة بمن يغذي في دماءه أواصر الحياة.
إن كل نُضْرَة مرت بنا أو من خلالنا يجب أن نحتفظ بها، فلا شيء يعيننا على إكمال دروبنا سوى التخابر مع الحُسْن بداخلنا.
عندما كان عمري عشر سنوات، حصلت على فرشاة للشعر هدية في أحد عبوات الشامبو.
فرشاة بيضاء اليد سوداء الشعر رافقتني لمدة أربعين عاما، لازلت استخدمها إلى اليوم.
رغم أنها شاخت وتآكلت سنونها ولم يبقى منها سوى ربع حجم شعرها، لكنها ما زالت صديقتي، وإن سقطت كل أسنانها لن اتخلى عنها أبدًا.
لست غريبة، لكني شخص أحب الوفاء للجماد كما للبشر. أجيد الاحتفاظ بالمحبة، ونعم أحب فرشتي، وأحب كل من يخالط قلبي، لا أقف عند زوايا أوجاعهم ولا أتركهم إذا اشتد بردهم.
فرشاتي مثل اللحن المجرد، جماد يحتاج السند الجميل، لكم اقتنيت غيرها لكني لم ارتاح إلا وهي بين يدي.
هي من مشطت شبابي وقوتي ولم تغدر بخصلات شيبتي فوجبت لها محبتي. لا أخون الجماد ولا البشر ولا الشجر، فإذا انصرفت اعلم أنك أنت من إِحْتَالَ على صحبتي.
أحتفظ بكثير من ذكريات دراستي، كتبي وبعض من أقلامي وأحلامي، حافظة أوراقي ونقودي، كراسة خواطري، أجمل صور لمن احببت، كراسة أجمل الأغنيات، مجلد الشِعْر الذي كتبته، دلايات سلاسل المفاتيح، علب الهدايا، كل كروت الأحبة، والكثير من الذكريات التي لن استعملها في حاضري لكن يتغذى عليها قلبي.
حتى السيارات التي امتلكتها على مدار عمري عندي نسخة من مفتاحها يذكرني بأيامي معها.
تلك الأشياء البسيطة التي يراها البعض "كراكيب"، كانت ولازالت تُعَرِف عن نفسي، أعود إليها بين الفينة والأخرى لتخبرني أن كل ما مر يستحق أن أتذكره، وأن عطاء بعض الجماد لا يقل لَطَافَة عن عطاء بعض البشر.
خُلقت بالفطرة أجيد الوصل والمحبة، لكني تعلمت بمرور العمر من يجب أن أترك عنده قلبي وأوجاعي ومن يشاركني أفراحي ومن اكتفي منه بالسلام.
اسقي زرعك، اطعم طيرك ولا تتخلى عمن يدعم براءة قلبك. الشخص الذي تَفَهَمَك وكنت معه على سجيتك، لم يجبرك على الوقوف في موضع تكرهه من نفسك ولم تكن معه تضطر أن تبرر فعلك، من كان معك "الإنسان" بحق ومن علمك ألا تنسى نفسك.
إن الابتلاء يزول أو يَخفت وطأته وقت أن تدرك الغرض منه وكيف وبمن تستعين لتتجاوزه.
كذلك العيش الحلو الهَنِيّ يأتي عندما تبدأ بتقدير نفسك وانتقاء من حولك والتمسك بلطف وقوة بكل نِعَمَك، ليتجرد اللحن وتستمتع بصحبتك وتقَدِّر بحق من تكون.
صديقي تذكر على الدوام أنك فَيَّاض وَهُوب، وأنك كنت ولازلت تكفي!
التعليقات