عندما بدأت مشوارى على صفحات مجلة (روزاليوسف)، كان الأستاذ مفيد فوزى يكتب على صفحات شقيقتها الصغرى الشقية الشبابية المشاغبة (صباح الخير)، وحظى بلقب الأشهر بين كل كُتاب جيله، من كبار العمالقة الموهوبين، حتى قبل أن يبدأ مشواره في تقديم برنامجه التليفزيونى (حديث المدينة). إلا أننى لم أستوعب لماذا هو النجم؟ وهناك من يكتب بجواره بإبداع وألق، ظل الأمر بالنسبة لى سؤالًا بلا إجابة؟، كثيرًا ما أجد نفسى أتبنى وجهة النظر التي تقف على الشاطئ الآخر، من أغلب آرائه وقناعاته، فهو شديد الحماس لعادل إمام، بينما أرى أنا محمود عبدالعزيز وأحمد زكى، هو منحاز لفاتن حمامة، وأنا سعاد حسنى، قناعته أن الإخراج يساوى حسين كمال، وأنا أطل بإعجاب على سينما داوود وخان وبشارة والطيب، هو يقول (الله يا فيروز) وأنا أقول (الله يا ست).
تحول الاختلاف في التذوق الفنى- مع التكرار- إلى حالة من الرفض لما يكتبه، ورغم ذلك لم أكف عن قراءته، مع الزمن بدأت أستوعب أن تباين وجهات النظر ممكن ووارد وصحى جدًا (لو لم نجده عليها لاخترعناه)، استيعابى للرأى الآخر بقدر من التفهم استغرق وقتًا، ولكن ليس هذا هو المهم في تقييمى للأستاذ مفيد، إنه سر آخر يكمن في (كاريزما) الكاتب، كما أن هناك (كاريزما) لشخصيات تسرق انتباهك من أول طلة، سواء أكان مطربًا أو ممثلًا، هناك أيضًا (كاريزما) الكلمة المكتوبة، وهو ما يضع الأستاذ مفيد في مكانة استثنائية، ليس مهمًا أن أعجب بالرأى، ولكن بأسلوب التعبير عن الرأى، عندما أقرؤه أو أستمع إليه أو أشاهده، أكتشف أنه صاحب بصمة خاصة في كل التفاصيل، أختلف معه للصبح، ولكن لا يمكن سوى أن أبحث عن مقاله، وأفكر فيما هو أبعد من موافقتى أو رفضى، كيف عبر عن فكرته بكل هذا الوضوح وتلك السهولة وبكل هذا التكثيف والألق، كل من حاولوا استنساخه ضاعوا في نصف الطريق، وتجاوزهم الزمن، إنه شخصية تملك عالمًا خاصًا بكل مفرداته، الكلمة والنبرة والحركة، ليس صورة من أحد رغم أعجابه الشخصى بأكثر من كاتب، على رأسهم محمد حسنين هيكل، إلا أنه تحرر بسرعة من تأثيره، ولم يكن أبدًا ظلًا له. لم ينفصل عن الحياة الفنية والثقافية، متابع جيد، وقبل أشهر قلائل كنت أراه في كواليس المهرجانات، وعروض الأفلام والندوات، لم يفقد أبدًا روح الشغف، ولا طاقة الشاب، وكأنه في سنة أولى صحافة، لم يتعال على القراءة، وظل حتى النَّفَس الأخير، يستقبل الكثير ويرسل القليل، وتلك هي اللمحة الغائبة، المفردات تتغير ظلالها، ومفيد فوزى يلاحقها، ربما يستهجنها ولكنه ينصت إليها بإمعان، إنها (الكاريزما) التي تسكن كلماته، وأبدًا لا تشيخ، الزمن يضيف الكثير للأستاذ، لأنه ببساطة صالح الزمن، وتحولت السنوات إلى طاقة نور!!
سكن القلم وتوقف الألم، أعرف أنه كان يعانى منذ إصابته بـ«كورونا» قبل نحو عامين، وعندما تعافى تمامًا منها، وكان في طريقه لبيته الأصلى مجلة صباح الخير وعلى الرصيف انزلقت قدمه، وأصيب من أثر الارتطام بتمزق عضلى في كتفه اليمنى، أعجزته عن الكتابة، اقترحت عليه أن يُملى الزميلة العزيزة والكاتبة الموهوبة حنان مفيد كلمات مقالاته، إلا أنه ظل يفضل المعافرة، ممسكًا بالقلم مستمعًا إلى صوت احتكاكه بورق الصحافة الذي نُطلق عليه (دشت)، لم يحاول أن يكتب على (الكيبورد) سوى رسائل قصيرة، إلا أنه ظل على وفاق مع العصر بكل مفرداته الأخرى. مفيد فوزى حقًا له في أعناقنا جميعًا دَين، فهو ساهم بقسط وافر في زيادة مساحة التعرف على عمالقة الزمن وستظل المكتبة المصرية المقروءة والمسموعة والمرئية، مدينة له بالكثير.. وداعًا أستاذى!!.
التعليقات