لو قدر لي حذف شيءٌ ما من هذه الحياة لحذفت اللَومَ وبلا تردد . قيل لهم التمسوا لأصحابكم سبعون (70) عذرا ؛ وهم في العذر الأول (1) آخذون جزء من أخلاقك - تشكيك في نزاهتك وصدقك - وبعض من صحتك - لا تمرض ولا تُبتلى - ونسخ من أرشيف ممتلكاتك - لا ينقص مالك ولا يتزعزع اقتصادك. فما ظنكم بالتاسع والستون (69) !!! حتما سوف يشملها أخلاطك الأربعة - الأمزجة التي يحسبون أنها تدوم وتدوم ما دامت حياتك باقية والروح فيها.
وغير ذلك مهما شرحت أو فسرت أو فصلت أو عللت أو بررت ؛ تبقى في نظرهم أنت الإنسان المقصر ، وأنت الإنسان المُستدام ؛ صاحب المزاج الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل ولا يتعكر ، والذي لا بد أن يكون متوافقٌ مع أمزجتهم واختيارتهم وأوقاتهم كما هم يريدون على الدوام .فلا يكفي ولا يغني ولا يشبع ولا يروي ما أغدقته عليهم فيما مضى من سالف الأعوام فذلك انتهى - لا حمدا ولا شكورا - وعليك الاستمرار .. عليك الاستمرار في إغداق العطاءات ، ومراعاة الظروف ، وتطيب الخواطر ، وإنهاء الخلافات ، وإزاحة الغمائم ، وتوصيل وتفسير وتوضيح وتبسيط الأمور - الشروحات - للعقول والنفوس المختلفة والمتعددة والمتنوعة في سبيل تقارب وجهات النظر وإماطة الفلسفات وتعديل أسس الأيديولوجيات ؛ وكل ذلك وأكثر على حساب وقتك ، وصحتك ، وجهدك ، وشغلك ، وحياتك ، وتطلعاتك ، وأخلاطك الأربعة وتركيبك الإنساني ، والتي هي في الأساس حَاجةٌ ماسةٌ وضرورية لا بد أن نغتنمها الاغتنام الصحيح قبل زوالها.
يا سادة ويا سيدات إن التعامل وطريقة التعاطي فيما بيننا لفهم الحياة لا بد أن يكون بتوازن وتقدير ، فنحن نتعرض لاشياء كثيرة وضغوطات كما هو الحاصل معكم ، ونتعرض أيضاً إلى إخفاقات ونكسات نحتاج معها إلى أوقات حتى نتعافى منها ونعالجها ، فرفقا إن كنتم تفهمون الرفق وعذرا إن كنتم تقدرون العذر .
فلا داعِ لكثرة اللَومَ المستمر المُنَفَّر فنحن معكم كما تعرفوننا وكما عهدتمونا لكن التمسوا لنا الأعذار فقط .. أعذار كبر العمر ، الإنشغال ، المرض ، العمل ، النوم ، التربية ، الخلافات الأسرية والزوجية والنسيان .. النسيان صدقا وليس التناسي أو التزهمر لأنها في حقيقة الأمر هي رحمات بحسنات ، وصدقات بخيرات ، وعطاءات بمكرمات في سجل محفوظ عند رب عظيم كريم مُّقْتدر ، وهي أيضاً أمانات وتكليفات نحن محاسبون عليها ولا بد أن نؤديها .. نؤديها حسب الاستطاعة وحسب ما تستوعبه أو تتحمله الطاقة.
أما على تشكيك الأمر فسوف يبقى الحال كما هو عليه ، وعلى الشاكي أن يصبر على المشكو في حقهم ، لأنهم لن يتغيروا ، وهو لن يتخلى عنهم ...
ومن أجمل ما قيل في اللَومَ ما قاله الشاعر جرير:
أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا
وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابا
أَجَدِّكَ ما تَذَكَّرُ أَهلَ نَجدٍ
وَحَيّاً طالَ ما اِنتَظَروا الإِيابا
بَلى فَاِرفَضَّ دَمعُكَ غَيرَ نَزرٍ
كَما عَيَّنتَ بِالسَرَبِ الطِبابا
وَهاجَ البَرقُ لَيلَةَ أَذرِعاتٍ
هَوىً ما تَستَطيعُ لَهُ طِلابَ
فَقُلتُ بِحاجَةٍ وَطَوَيتُ أُخرى
فَهاجَ عَلَيَّ بَينَهُما اِكتِئابا
وَوَجدٍ قَد طَوَيتُ يَكادُ مِنهُ
ضَميرُ القَلبِ يَلتَهِبُ اِلتِهابا
التعليقات