أمينة رزق وفاطمة رشدى تواجدتا في نفس المرحلة الزمنية.. فاطمة 1908 أكبر فقط بعامين ورحلت 1996، عاشت أمينة رزق بعدها 7 سنوات، ظلت أمينة في البؤرة مطلوبة عند كل شركات الإنتاج، وفى مختلف المجالات «سينما، مسرح، تليفزيون، إذاعة».. الفنانة الكبيرة أمينة رزق كانت هي وبحق (نمبروان).
التقيت أمينة رزق عديدا من المرات، ولاحظت قوة ذاكرتها، فهى لا تنسى الأسماء، وشاهدتها قبل الرحيل ببضعة أسابيع على مسرح (الهناجر) تلعب بطولة مسرحية (شهرزاد).. قبل العرض، طرقت باب حجرتها لإجراء حوار، وجهها وحركتها تؤكد أنها في التسعين.. على المسرح عندما بدأ العرض اكتشفت تلك الطاقة الكامنة التي اختصرت عقودا من الزمن وكأنها في العشرين، تنافس في حيويتها أحدث نجمة انطلقت في تلك السنوات منة شلبى.
فاطمة رشدى التقيتها مرة واحدة منتصف الثمانينيات، حوار طويل نشرته في مجلة (الوادى، كانت تضع على وجهها كمية كبيرة من المساحيق، عندما سألتها بحسن نية: متى ولدتِ؟ جاءت الإجابة كطلقة رصاص: إذا أردت أن تعيش حياتك في أمان، لا تسأل امرأة عن عمرها. ومن بعدها لا أسأل امرأة ولا رجل عن عمره.
كانت فاطمة رشدى هي النجمة، ولقبت بـ (سارة برنار الشرق)، كما أنهم أطلقوا عليها (صديقة الطلبة)، كانت تفتح مسرحها يوما في الأسبوع مجانا للطلبة، ومن فرط الحب يحملون سيارتها أمام المسرح، الأثرياء كان يشعلون سجائرها بأوراق نقدية من فئة المائة جنيه، يتذكر لها الناس فيلمها (العزيمة) 1939 لرائد الواقعية كمال سليم، ولكن ما دون ذلك تبخر كل شىء.
كانت فاطمة تبدو لى وكأنها تعيش مع مدحت صالح في (كوكب تانى) قبل حتى أن يغنى (كوكب تانى). روى المخرج الكبير محمد عبدالعزيز أثناء تكريمه بمهرجان الإسكندرية، حيث عمل مساعدا للإخراج في (القاهرة 30) لصلاح أبوسيف، ورشحها الأستاذ صلاح للمشاركة بالتمثيل، وعندما التقاها مساعده محمد عبدالعزيز قالت له غاضبة: المفروض صلاح يأتى بنفسه، فهى لم تنس أن صلاح كان هو مساعد كمال سليم في (العزيمة)، بينما هي (الفيديت)، وأضافت أن الدور الوحيد الذي من الممكن أن يعيدها للسينما هو البطلة (إحسان) الذي لعبته سعاد حسنى.
على الجانب الآخر، صالحت أمينة رزق الدنيا وأطلت عليها بعقل يقظ، وكثيرا ما كانت تنشب المعارك والضربات تحت الحزام لا تنقطع بينها وفاطمة، وبالطبع جمال فاطمة منحها قوة إعلامية وشخصية، إلا أن ما تبقى هو الفن، بعد أن انتهى العمر الافتراضى للجمال.
روى لى المخرج الكبير عمر عبدالعزيز أنه كان يحرص على أن يسند في كل أعماله دورا لأمينة رزق. لاحظت أمينة أنه قد قام بتغيير عدد من المشاهد بما يتوافق وعمرها، وألغى اللقطات التي تتحرك فيها.. على الفور قالت له: سأنفذ السيناريو كما كان مكتوبًا في البداية، كانت أمينة رزق قادرة ولو في مشهد واحد مثل (أريد حلا) أن تسرق الكاميرا من الجميع.
كثيرا ما دعوتها خلال التسعينيات لندوات في نقابة الصحفيين ضد الإرهاب والتطرف، وبلغت دقتها قبل أن تلقى كلمتها أن طلبت من الفنان الكبير محمود ياسين أن يلقى نظرة سريعة لإصلاح أي خطأ لغوى، وقرأ محمود الكلمة وقال لها وهو يقبّل يديها إنه (لا يزال يتعلم منها)!.
هذا هو الدرس الأساسى للفنان: أن يظل منصتًا لإيقاع الزمن.. وهكذا كانت أمينة رزق، بينما غريمتها فاطمة رشدى، التي كانت الأكثر بريقًا وجمالًا، تعثرت في منتصف الطريق.
التعليقات