التطور حقيقة نلمسها ونحياها .... نتمسك بالجديد ونترك القديم .... صيحات الموضة في الأزياء ومستحضرات التجميل .... الأجهزة التي نسعى دائما لاقتناء الأحدث منها .... عادات الأفراح والمناسبات .... حتى بعض الأكلات التقليدية أصبحت موضة قديمة توجب هجرها تماشيا مع طبيعة العصر الحالي برفاهيته غير المسبوقة .....
إلا الفن .... فحبنا وتقديرنا للقديم منه مستمر وسيستمر .... له رونقه الخاص الذي لا يجذب أبناء جيله فقط بل الجميع .... أفلام الأبيض والأسود .... أغاني السيدة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ .... والمسرح الذي يعد أول الفنون .... أول فن تعبيري عرفته البشرية يمزج بين التمثيل والغناء والاستعراض .... تم استخدامه في الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية في الطقوس الدينية حيث تم إيجاد مسرحية تأتي من ٢٠٠٠ سنة قبل الميلاد والتي تؤرخ قصة الإله أوزوريس وبعثه .... إلا أن الحضارة الإغريقية هي أساس المسرح الحقيقي بقوالبه المعروفة ....
يقال "لا قيمة للمسرحية مادامت على الورق" بخلاف الرواية والقصة القصيرة .... فالأهم على المسرح هو كيفية تقديم المسرحية ... الأداء والحركة والإضاءة .... يطلق على المسرح أبو الفنون حيث خرجت من عباءته كل الفنون الأخرى .... ولكنه سيظل الأهم لامتلاكه سحر خاص ....
برع العديد من الفنانين في مصر على مدار أجيال في تقديم عروض على خشبة المسرح لتعيش أبد الدهر .... وسيظل أكثر من نحب أن نراه على المسرح هو الأستاذ فؤاد المهندس .... خفة حركة وسلاسة أداء وحب ودفء يقدمه لكل من يقف إلى جواره على خشبة المسرح لدرجة أن تشعر أنك بين عائلة كبيرة حقيقية يحتضنها فؤاد المهندس فاستحق لقب الأستاذ .....
تقييم الجمهور للمسرحية يختلف عن تقييمه للفيلم السنيمائي أو المسلسل التليفزيوني .... يقيم الجمهور المسرحية على مقدار ما تقدمه من ضحك وفكاهة ..... ويقيم المسلسل التليفزيوني على جمال القصة ومدى قربها من الناس في البيوت وانتصار الخير وهزيمة الشر كنهاية تقليدية ..... ويقيم الفيلم على قوة أداء أبطاله والمخرج الذي يحرك بأصابعه القصة كلها ....
ولكن إذا نظرنا نظرة مختلفة .... فقيمنا المسرحية من حيث القصة والمغزى والأداء التمثيلي للأبطال .... سيقل معدل تقييمنا لأكثر المسرحيات شهرة وقربا إلى قلوبنا .... ولكن ستكسب مسرحيات الفنان الكبير محمد صبحي .... أعظم من أدي على خشبة المسرح .... تختلف رؤيتك للمسرحية التي يقوم ببطولتها وإخراجها باختلاف عمرك .... فكلما تكبر ستجد بها المزيد والمزيد من التفاصيل والمهنية .... تجدها أقرب ما يكون إلى التورية .... أي لها مغزى قريب جميل ومغزى بعيد أجمل وأجمل .... وإذا تحدثت عن الأداء سيظل أمامي مشهد له من مسرحية كارمن - والتي سبق أن رأيتها عشرات المرات - .... كيف كان ينهر الفنانة سيمون بسبب سوء أدائها في تأدية شخصية كارمن ويلقى بالضحكات في آن واحد في حوار لم يدم أكثر من دقيقتين ومشاعر الغضب والاستياء والألم من عدم مصداقيتها في تأدية الدور بمشاعر حقيقية لم تزل من على وجهه ولو للحظة .... كيف يجمع بين كل هذه المشاعر المتناقضة في آن واحد ؟؟؟؟
هذا ما يحدث عندما يفعل المرء ما يحب وما يؤمن به .... فهو الرجل المناسب في المكان المناسب ....
أنزلت الستارة لننتظر رفعها من جديد .... وما زلنا في انتظار رفعها منذ سنوات وكلنا أمل أن نجد على المسرح الآن ما يعوضنا عن فترة حرمان طويلة .... فهو الأهم والأساس ....
لأنك أبو الفنون وأولها ....
التعليقات