تقول الأسطورة القديمة إن إبليس مبتكر الشرور الأزلية، وهادم اللذات، ومفرق كل الجماعات، جمع كل جنوده الرديئة وأقام لهم وليمة على شرف إفساد حياة الإنسان على الأرض، وقد اقترح شيطان صغير من بين الجالسين على حافة الهاوية أن أكثر ما يفسد حياة الإنسان هو أن تُسرق ثروته.
ورد عليه إبليس قائلا: «لا فائدة من سرقتها، بل الأصعب هو أن نزيدها حتى تكثر مشاكله، وبالتالى تتفاقم زلاته وآثامه».
ثم نهض شيطان آخر مقترحا: «ماذا لو سرقنا عقله؟».
فأجاب إبليس: «يالك من ساذج، إذا سرقنا عقله، كيف سيشعر بتعاسته؟!».
فقامت شيطانة شمطاء أكثر دهاءً من الجميع وقالت: «يا إبليس يا مبتكر الشرور الأزلية، يا عدو كل خير، السعادة هى الهدف النهائى لكل إنسان على الأرض دعنا نسرق منه سعادته للأبد».
فوافق إبليس على الخطة الجهنمية بعد أن تأكد من صحة قولها، ووقف معتزا بشروره وقال: «يا معشر الشياطين الحُمر، اسرقوا سعادة الإنسان هى فعلا أغلى ما عنده».
ولكن رغم التصديق على الخطة، ظهرت لهم مشكلة كبرى وهى أين يخبئون السعادة بعدما يسرقونها حتى لا يعثر عليها الإنسان.
فقال شيطان البحر: «نخفيها فى أعماق البحر».
وقال شيطان البر: «نخفيها فى أقصى الأرض».
رد عليهما إبليس: «لا فى أعماق البحر ولا فى أقصى الأرض لأنه من المتوقع بعد بعض مئات من السنين أن يخترع الإنسان الطائرة النفاثة أو الغواصة عابرة القارات وبعدها يجد سعادته المسلوبة منه بكل سهولة».
وهنا قامت نفس ذات الشيطانة الشمطاء، وقالت: «يا إبليس يا صاحب كل شر، يا عدو كل خير، حتى لا يعثر الإنسان المسلوب والمنهوب على سعادته نخفيها فى مكان لا يخطر له على بال، نخفيها فى قلبه».
وتكمل: «وسيبحث عنها يا ولدى فى كل مكان، وسيسأل عنها موج البحر ويسأل فيروز الشطآن، سيحاول أن يتمتع بها فى ثروته ولن يجدها، سيحاول أن يحصل عليها فى شهرته ولن يجدها، سيحاول أن يقضى بها أحلى الأوقات مع من يهوى ولن يشبع، سيصاحبه الجوع إلى الأمان والاستقرار والطمأنينة والسكينة مدى العمر، لأنه غبى وعقيم وغافل، لأن السعادة فى داخله وليست خارجه، السعادة فى الرضا والقناعة، السعادة فى الرحمة والمحبة، ورغم كراهيتى الشديدة للبشر كشيطانة عريقة، إلا أنى أعرف عنهم الكثير».
وفى هذه اللحظة المشبعة بالدسائس والأحقاد، انتفض إبليس من مكانه واإنحنى تقديراً لمكر هذه الداهية التى كشفت عورة تفكير الإنسان ونقاط ضعفه الأساسية ومكافأة لها ألبسها جمرا من النار.
ومنذ ذلك التاريخ والإنسان يبحث عن السعادة فى كل مكان ومع كل شخص وفى أى وقت ولا يجدها لأنها مخبأة فى أعماق قلبه تنتظر أن يلتفت إليها بابتسامة وسماحة ضمير.
التعليقات