من مرادفات النضج في اللغة العربية الرُشد وبلوغ المراد. صفة مكتسبة تضاف إلى رصيد خبراتك في الدنيا.
النضج مشوارك الطويل في الحياة، تجاربك التي مَلَئت بها كتاب عمرك، أوجاعك التي كتمتها، آمالك التي ماتت وأحلامك التي تحققت.
نضجك هو كل الصباحات التي جاهدت في ساعاتها وكان لك فيها نصيب الخُذلان.
أن تصبح ناضجًا يعني بالضرورة أن مرت عليك الحرارة اللازمة لتصل لمرحلة الإِسْتَطابَة.
احتجت الوقت، الصبر، الجَلَد، البَصَر والبصيرة، والإيمان التام بنفسك.
رحلة طويلة شاقة مستقرها الإنسان الذي أصبحت عليه اليوم.
لا تحسدوا الناس على قدرتهم على تمييز الخير والشر داخل حنايا القلوب، فقد فقدوا الكثير من إنسانيتهم ومشاعرهم ليكتسبوا البصيرة التي تُمكنهم من الرسو بأمان.
يقال أن النضج هو محصلة عدد سنوات عمرك، لكني أؤكد لك يا صديقي أنه محصلة للمفقودات والتيه في هذه السنوات.
ما قيمة أن تصبح ناضجا؟ أليست كلها حياة؟
دعني أسرد لك بعض حلاوات النضج.
من عظمة النضج أن يتحدث غيرك فتُخبَر بواطنه التي لا يُظْهِرها لك. أن ترى الناس بقلبك وتحكم عليهم بعقلك، وتتسلح بإرادة فولاذية لجَنْي مختاراتك من خلالهم.
أن تبدو بخير في كل مزاجاتك، أن تحتفظ بآلامك، ترصدها وتحبسها في قلبك ثم تتحدث بها فقط مع الله.
أن تظن دائمًا أن خيرك سابق شرك وأن بقائك الآمن نابع من حسن نواياك التي تكفل لك السلام النفسي.
أن ترضخ لأقدارك الثقيلة وأنت موقن بزوالها.
أن تتخذ قرارك بمواصلة السعي وهزيمة المشّاق في دنياك ما دام صدرك يتخلله الهواء.
ولعل من جمال النضج وتمامه، أن تتعلم من تجاربك، ثم تقود نفسك بالطريقة التي تناسبها ولا تطيل البقاء بجانب شبيهي الأحياء.
أن تتوقف عن مناقشة الأغبياء وتلتصق بأصحاب القلوب الغضة. أن تؤمن أن مصدر اللين في أيامك ينبع من مجاورة الطيبين، وأن تتعلم أن تجاهل أصحاب النفوس الثعبانية لا يَتَأَتى إلا من خلال حبسهم داخل مصائد كيدهم.
أتعلم يا عزيزي لماذا أُحِب التقدم بالعمر؟ لأنه كان الوسيلة الوحيدة لديّ لاكتساب البصيرة. تلك النعمة التي لا تليق بذوي النفوس الضحلة.
لماذا لم يخلق الله عمر الإنسان سويعات أو أيام قليلة؟ لأن الزمن الجميل الذي يمر من عمره هو سلاحه الآمن للخروج من رحلته مُتَعَلِم.
لم أخشى يوما التقدم بالعمر، بل أحببته فلطالما كانت الأيام كفيلة بتدبير المسالك اليسيرة لحياة أجدر اليوم أن أراها ثرية.
الشخص الآمن هو من يكفُل لك إقامة مريحة في الدنيا. هو من يجعل تضحياتك تبدو في محلها، وتشعر بجواره أن مجاهدتك لأجله كانت عمل مُستحق.
غير ذلك تظل تبحث عن السراب، يملأ العطش قلبك ولا يرويك إلا الثرى.
ذلك هو النضج في لغة الأحياء، ومن أجل ذلك خُلِقت الحياة.
تلعثم ما شئت إلى أن تستطيع أن تتحدث عن أيامك باقتدار. هكذا تعلمت أن أُثَمِن الحيوات.
راكِم خيباتك وسقَطَاتك إلى أن تهتدي لإنْشَاء سبيلك الرَصين في دنياك.
وأخيرًا، وازِن علاقاتك جيدًا واختر منها ما يناسب روحًا حضرت للدنيا لتبقى داخلها بخير.
أنا محصلة لكل الكلمات الطيبة التي أقامتني. أتلمس في شخوص الطيبين الراحة والدرب المنير، لذا كانت ولا تزال العلاقات السامة مصدر العَطَب الوحيد في رحلتي.
أُدرك الآن الثمن المُر الباهظ الذي دُفِع في وجبات أتخمت روحي وتركت حِبْر قلبي ليجف.
العلاقات الناجحة هي مجدافك الثاني، هي وقود الرحلة، هي الزاد الكافِ، هي صلابة أكتافك، هي اليد التي تطبطب على قلبك المحتقن، وهي السبيل النبيل لإقامة الحياة.
لا تقبل علاقة سوى بدرجة إمتياز، فسنوات التعلم والعناء والمشقة تزول بالتَرَقي وتبقى هناك حقيقة أن لكل مجتهد نصيب.
المظلة القوية تحجب القيظ عن جسدك، ودائمًا يطالك شذى العِطر وأنت بصحبة صانعه، فتَخَيّر بمهارة أُنْس الإخَاء في صحبتك وعِشرتك.
التعليقات